حينما يضعف الوازع الديني، وتختل منظومة القيم؛ ينجرف الإنسان خلف شهواته ورغباته، بلا رادعٍ ولا وازع، حتى لو اضطر إلى التحايل على الأنظمة، أو امتهان الكذب والتدليس، ولن يعدم الفاسد الحيلة والوسيلة، ولن يعجز عن التبرير والتأويل..! من الشواهد على ذلك شرط إحياء الأراضي البيضاء، الذي حدد تاريخ الإحياء المعتبر شرعاً ونظاماً لقبول طلب إصدار صكوك الاستحكام بما قبل عام (1385ه)، ليكون ذلك التاريخ حداً فاصلاً بين عمليات الإحياء التي قد تحصل بعده، وبين التي حصلت قبله، وعلى كل من أراد الحصول على حجة استحكامٍ لأرضٍ ما أن يثبت إحياءه لها قبل التاريخ المذكور، ويكفي إثباتاً لذلك شهادة الشهود بأقدمية الإحياء أمام القضاء، ويصرف النظر عما عدا ذلك سواءً أكان للنفي أو للإثبات..! الواقع الذي نتج عن تطبيق ضابط الإحياء له وجهان؛ أحدهما وجهٌ «ضعيفٌ/ بائس» فيما يخص أصحاب الأراضي القديمة والمتوارثة ومعظمها في القرى والهجر، فبسبب عدم اهتمامهم سابقاً باستحكامات أراضيهم جهلاً أو عجزاً، وعدم قدرتهم حالياً على إثبات قدم تاريخ الإحياء بالشهادة، عدماً أو تورعاً، مع امتلاك بعضهم لوثائق ومستنداتٍ لا يعتد بها القضاء، لتبقى ممتلكاتهم دون صكوكٍ رسمية، وتتعطل مصالحهم، وتستمر معاناتهم..! أما الوجه الآخر «المترف/ القبيح»، فيمثله أصحاب النفوذ والفاسدين، من لصوص الأراضي و«هوامير التراب»؛ الذين لا يحتاج أحدهم إلا لوضع يده على ما يشاء من المساحات الشاسعة في أطراف المدن وضواحي القرى، ثم يستنجد بشهود «الفزعة»، أو يستعين «ببائعي» الذمة والشهادة، ليثبت إحياء ما استولى عليه، زوراً وبهتاناً، فتمتلئ صناديقه المتخمة بصكوك الأراضي والمخططات، وتمتلئ قلوب الضعفاء والمتورعين بالغبن والحسرات..! ختاماً، يا معالي وزير العدل؛ أليست «الصور الجوية» الدقيقة والقطعية، إنصافاً لأهل الحق المتورعين، وردعاً لأهل الزور والفاسدين..؟!