قد يعجز أطباء واختصاصيو علم النفس والاجتماع عن الولوج في العقل الباطن للمجتمع، ليعرف مكامن الام الأنفس.. وارتماء الكبير والصغير الرجل والمرأة في بحيرة عميقة من القلق والتوتر والاضطراب والاكتئاب.. هذه البحيرة لا يعرف قرارها إلا من غاص في قعرها. المجتمع بأسره يتألم من تداعيات وأد الأفراح واغتيال المسرات.. ويترنح من شؤم الحاسدين ولؤم الحاقدين.. فعلى الرغم من التطور الحياتي والسيكولوجي إلا أن بعضاً من المجتمع مازال غارقاً حتى البؤس في ملاحقة الفرحين من الخلف بحثا عن طعنة تسقطهم ومن الأمام لوضع عشرات الأحجار كي يتعثرون فيها.. ومن الجوانب تمطر الأسئلة الآذان عن تفاصيل الفرح وكيفية الحصول على بشائره ومن ثم ارتفاع مستوى «الحنق» و»الحسد « في القلوب.. فما بالكم بفرح تغتاله كل هذه الجبهات وما مصير صاحبه. عجبا للنفس الأمَّارة بالسوء التي تظل تمارس غيها للبحث عن زلات وسقطات الآخرين ثم ضربهم بمعاول الحسد في حالة الإنجاز ولطمهم بصفعات الشماته في حالة المصائب. لا يزال هنالك من يسألك عن راتبك وعن سيارتك وعن تفاصيلك اليومية والشهرية ومن أين اقتنيت أغراضك ولماذا سافرت وكيف ترقيت وبأي وسيلة «ضحكت» وما حيلتك عندما «فرحت» وعندما تتهرب له من هذه الإجابات فعليك أن تضع أصبعك في وسط جبهته لتلقنه مقولة «ما شاء الله تبارك الله» وإلا فإنك قد تهلك في ذات اليوم .. فمثل هذه الفئات يعادون السعادة ويغتالونها في مهدها بل ويرمونك في بحيرة حسدهم وحقدهم وعندها عليك اقتناء جوال خاص للرقية الشرعية وآخر لأرقام الرقاة الذين باتوا من صناع الحسد في مهنتهم «السائبة» و«الجائلة» بحثا عن المال واستغلال المحسودين والمكلومين فتصبح في بحيرة بداخلها تمساح يبحث عن نهشك في أي لحظة. الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال «استعينوا على قضاء حاجاتكم بالكتمان» و«وعش في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» كل هذه المفاهيم العظيمة كانت نظريات ومناهج عجيبة وإبداعية في التعامل مع مقاتلي الفرح ومع ثكنات عسكرية مملوءة بذخيرة قاتلة لرسم خريطة شؤم تعادي السرور والإنجاز وتبرز ملامح البؤس والأنفس المريضة. أطباء نفسيون واختصاصيون اجتماعيون دارسون في أوروبا وأمريكا يعالجون الحالات على أنها «فوبيا» و«اضطهاد» و«اكتئاب» بالعقاقير والجلسات طويلة الأمد وسط معارضة معظمهم لوجود للجن والشياطين والمس والسحر فتظل النتائج مرابطة المراجعين على بوابات المجمعات الطبية بحثا عن استشفاء من قناة واحدة وعن طبيب قابع على مكتبه لا يعلم عن وحوش تصطاد الألم في وجوهنا لتضحك وتبحث عن ادنى ملمح فرح لتمسحه وتزيله.. ومئات الرقاة الذين امتهنوا مهنة سهلة ورائجة وشروطها شقة او استراحة وجهاز تسجيل أو سماعات ب100 ريال وحفظ آيات قليلة من القرآن وأدعية ماثورة للشفاء ومن ثم الصياح على المراجعين والتعاون مع عطار لجلب عسل مقلد وزيت زيتون وحبة سوداء وماء زمزم سيغرقونك في الديون لتضعها بسذاجة في جيب محتاج وهو «الراقي» الذي يبحث عن جماهير وعن دعاية عن صف جديد من المبتلين بالحسد وبه. علاجنا هو تكثيف الوعي عن مصائب الحسد والحقد والعين وتأهيل هؤلاء المقاتلين ليكونوا «عُزَّلاً» من أسلحة قتل الأفراح وتدريبهم على «ذكر الله باستمرار» حتى تتطهر ألسنتهم ويخرج من قلوبهم «سواد المرض» وملاحقة جيوش الرقاة الوهميين وسجنهم ومعاقبتهم وليس انتظار تورط أحدهم في قضية.. وإيجاد قاعدة بيانات مكتملة للرقاة المعتمدين الذين يرفضون المال ويطلبون الأجر وعلى الأطباء النفسيين واختصاصيي علم الاجتماع دراسة أبعاد المجتمع لأن هنالك حالات تستدعي عملا ميدانيا للوقوف على بؤس مجتمعي غارق في السوداوية.. وعلى المجتمع كله أن يحذر الحاسدين والحاقدين وألاَّ يضع حياته أمامهم كلوحة إعلانية مكشوفة وأن يعتصم بالحافظ الحفيظ وأن يتحصن بأذكاره وتعاليمه.