نظرت إلى الأرقام العشرة المنثورة أمامها فوق قطعة ورق صغيرة. كانت تجلس وحيدة في غرفتها وتحدق بنشوة في الأرقام المبعثرة وتفكر في نقلها إلى هاتفها المحمول للاتصال بصاحب الرقم. عادت بذاكرتها إلى الشهر الماضي حينما كانت تتسوق في المجمع التجاري القريب وقابلت ذلك الشاب الذي أعطاها الرقم بخجل. كانت المرة الأولى التي تقبل بها تسلم رقم من شاب وكانت تفكر وقتها في عدم الاتصال. أرادت فقط تجربة ذلك الشعور الذي وصفه لها بعض من صديقاتها في جذب انتباه الشباب في السوق وحثهم على الاقتراب وتقديم الرقم. صديقاتها حكين عن شعور فريد من نوعه يعتري الفتاة عندما يدنو الشاب منها لتقديم الرقم مخاطراً بنفسه ومتحدياً أعين الرقيب. إحداهن ذكرت أن قلبها كاد يتوقف من خوفها ورهبتها ولكن الأمر كان يستحق المخاطرة. تحدثن عن شعورهن بالأهمية والاحترام بعد سنوات طويلة من معاناتهن من العنف والتجاهل الأسري. شعرت هي بالفعل بذلك عندما اقترب الشاب منها وهي تقف في محل الساعات وقدم لها الرقم على مرأى ومسمع من البائع الأجنبي. كان الشاب مرتبكاً وبدا أنه يحاول الترقيم للمرة الأولى في حياته. الرقم كان مكتوباً بسرعة وبحبر لم يجف وكأنه كُتب على حائط المحل الخارجي. تردد الشاب للحظات في الدخول وكان يقترب من الباب ثم يرجع حتى حسم تردده واقتحم المحل واقترب منها بجرأة غير مسبوقة. كانت تراقب تحركاته وتفهم مقصده وتقطعت أنفاسها من هول الموقف وسط نظرات غير مبالية من العامل الأجنبي. وضع قصاصة الورق الصغيرة فوق اللوح الزجاجي الذي يغطي الساعات وراح ينقر بسبابته على الزجاج منبهاً ومذكراً إياها بدقات عقارب الساعة. ظل واقفاً في مكانه ونقرات إصبعه تزداد حتى مدت يدها وخطفت الرقم وغادرت المحل لاهثة. ظلت تفكر في سبب احتفاظها بالرقم لأسابيع دون حتى محاولة الاتصال بالرقم. شعرت فجأة برغبة شديدة تجري بشراينها لتجربة الحديث مع الشاب الغريب عنها ولو لمرة واحدة. تذكرت كلام صديقاتها بأن الأمر لا يتجاوز كونه مكالمة هاتفية بريئة وبأن هذه المكالمات تستخدم لمجرد التسلية وقتل الوقت والملل. أقسم بعض من صديقاتها أنهن لم يسبق لهن مقابلة الشباب وأكدن على عدم وجود أي نية لذلك. طمأنها ذلك للحظة لكنها خافت من الذنب لو كلمت الشاب وخشيت من العواقب الوخيمة. فكرت بخطورة معرفة أهلها المحافظين الذين لن يترددوا بقتلها بدماء باردة. أرعبها مشهد مقتلها وتخيلت للحظات طريقة تنفيذه وحذفت الرقم في سلة المهملات وهي ترتجف. نظرت لسلة المهملات لدقائق بخوف لكن هاجساً بداخلها دفعها فجأة إلى إخراج الرقم من السلة. فكرت طويلاً ثم حسمت أمرها واتصلت وأنفاسها تكاد أن تنقطع. استعادت تلك الذكريات وهي تجلس في تلك الغرفة بانتظار حضور أبيها لتوقيع ذلك التعهد.