في الوقت الذي لا تزال فيه ثقافة المسؤولية المجتمعية لم ترسخ بعدُ في أذهان عديد من قيادات مجتمع الأعمال، تتسابق عديد من المنشآت في 65 دولة حتى الآن في تبني مواصفة المسؤولية المجتمعية الأيزو 26000 ISO الصادرة عن المنظمة الدولية للمواصفات ومقرها جنيف، لتقييم جهودهم والارتقاء بمبادراتها بأسلوب مسؤول اجتماعياً، حيث أصبح المجتمع يتطلب هذه المبادرات ويتطلع إليها بطريقة متزايدة. هذه المواصفة تهدف إلى ترسيخ الحوكمة والمساعدة لضمان تنمية مستدامة لمبادرات مؤسسات وشركات القطاع الخاص، حيث توفر هذه المواصفة قيمة مضافة لكل مبادرات المسؤولية المجتمعية من خلال مجموعة من الخطوات والإرشادات والتوجيهات التي اتفق حولها الخبراء والمتخصصون في مجال الجودة والتميز بهدف تشجيع تبني الممارسات المتميزة والرائدة في مجال المسؤولية المجتمعية عالمياً بما ينعكس بشكل إيجابي على أي مجتمع. هذه المواصفة هي بمنزلة دليل إرشادي تطبيقي لمبادئ المسؤولية المجتمعية ومبادراتها، وتهدف إلى دمج هذه الممارسات ضمن الخطط الاستراتيجية والأنظمة والممارسات والعمليات لأي شركة أو منشأة، وتمثل مرجعاً رئيساً ومهماً لتأسيس وتبني مفهوم مبادرات المسؤولية المجتمعية وتوجيهها نحو خدمة المجتمع وتنميته ورقيه عبر المبادرات والبرامج والأنشطة المجتمعية. تهدف هذه المواصفة إلى مساعدة المنشآت في تبنيها مسؤولياتها المجتمعية بمراعاة المستويات الثقافية والاجتماعية والبيئية والقانونية والاقتصادية، كما توفر قوالب قابلة للتطبيق بما يضمن تعزيز المصداقية، فضلاً عن ضمان توافق هذه المبادرات مع الاتفاقات الدولية المتعلقة بالمسؤولية المجتمعية، إلى جانب دورها الواضح والمهم الساعي إلى نشر الوعي بأهمية المسؤولية المجتمعية وتبني هذه الثقافة وهذا الفكر على نطاق واسع، فضلاً عن توحيد الممارسات لسهولة تقييم المبادرات بشكل متماثل عالمياً وتطبيقها كذلك. وتدفع هذه المواصفة الممارسات العملية للمسؤولية المجتمعية إلى أن تكون أداة تحقق التنمية المستدامة وتحافظ على الإنسان والحيوان والبيئة، بل وتخدمها، وتضع التنمية كمكون أصيل لها، فضلاً عن نشر المفاهيم والممارسات الإيجابية من خلال البرامج التنموية والتعليمية والتثقيفية والبحث العلمي. ولم تغفل هذه المواصفة أصحاب المصلحة، حيث تركز على أهمية تحسين العلاقة بين المنشأة وأصحاب المصلحة والمتعاونين معها، فضلاً عن الالتزام بحقوقهم واستفادتهم من المزايا التي تمنحها لهم المنشأة. إن تطبيق مواصفة أيزو 26000 يحتاج إلى ثقافة واعية وقناعة راسخة بأهميتها ودورها الرائد، ففي الوقت الذي تختلف فيه طبيعة ممارسات تحقيق المسؤولية المجتمعية من دولة لأخرى بالمقارنة بين مستويات الرفاهية نجد أن تحقيق التنمية المستدامة يجب أن يتم بما يتوافق مع القوانين والتشريعات واحتياجات المجتمع ذاته وتبني المبادرات التي تصنع فرقاً فيه. وتمثل هذه المواصفة مرجعاً رئيساً للجميع كخارطة وخطة تمكن من إدخال مفهوم المسؤولية المجتمعية ضمن إطار الاستراتيجيات والآليات والعمليات في المنشأة، ويتعين على كل منشأة ساعية لتحقيق أهدافها بجودة وتميز استيعاب هذه المواصفة والعمل بها بما يضمن لها القبول لدى جميع الأطراف والمستهدفين منها ومن خدماتها لتضمن بذلك أداءها دورها الرائد في التنمية المستدامة بالمجتمع الذي تعيش فيه.