عندما أعلن (فولروت) عن كشفه عن إنسان نياندرتال كذَّبه معظم العلماء لأنه لا يشابه شكلنا المعروف، ولم يكن في التصور أن هناك كائناً إنسانياً آخر كان يعيش قبل مائة ألف سنة، وعندما تعرض الدكتور المشهور في التشريح المرضي، الذي يعرفه طلاب الطب جيداً (فيرشوف) لإنسان نياندرتال ضحك بشدة لهذه البقايا المشوهة، التي لا تسمن ولا تغني من جوع في كشف علمي محترم، واعتبرها بقايا إنسان معتوه كان مصاباً ب (الخرع = Rachitis) بسبب تقوس عظام الفخذ، وداء الخرع مرض يصيب الأطفال الذين لا يتعرضون لأشعة الشمس فتنقص كمية الفيتامين د والكلس في العظام فتلين وتتقوس، وإنسان نياندرتال الذي كان بطول 150 سنتمتراً وبهيكل مبني في غاية القساوة إلى درجة تقوست عنده عظام الفخذ، وربما كانت الآية القرآنية تخلع ظلاً على وجود بشر سبقونا في الوجود عندما تساءلت الملائكة «أتجعل فيها مَنْ يفسد فيها ويسفك الدماء»؟ ربما عرفت بمرارة تجارب سابقة، إنها تكهنات كما نرى، ورجم بالغيب ولكنها تساؤلات مشروعة. وكيف يسلم فيرشوف لهذا الكشف؟ فالجمجمة كانت غير مكتملة، لم يحكم تزويرها كما في جمجمة بيلت داون؟! كل ما بقي منها كان سقفها لا أكثر، فكيف يمكن أن نبني عليها حكماً خطيراً كهذا؛ بأن هذه العظام ترجع إلى عهد لم نكن قد وجد جنسنا بعد؟ الذي حدث بعد هذا فاق توقعات كل من فيرشوف وفولروت معاً، حيث عثر على أكثر من 300 هيكل في كل أرجاء الأرض حتى تركستان في وسط آسيا، وكان أكثرها مدعاة للإثارة إنسان نياندرتال الذي كشف عنه في كهف شانيدار (SHANIDAR) في العراق، في المناطق الكردية على بعد 400 كم إلى الشمال من بغداد، حيث كشف عن بقايا عظمية لمجموعة بائسة من إنسان نياندرتال اجتاحتها ظروف مناخية قاسية أودت بحياة مَنْ كان في الكهف، ولكن بقايا الهياكل كشفت عن معانٍ إنسانية رافقت هؤلاء البشر في ذلك الوقت السحيق الغارق في الزمن القديم، حيث كان يدفن الإنسان مع باقات الورد في ظل عقيدة الاعتقاد بالبعث بعد الموت، كما أفادت تلك الكشوف عن هول الحياة ومقاساتها عندهم بين رجل مبتور الساعد مهشم الأطراف مشلول الجانب، أو آخر مطعون بضربة قاتلة في صدره تركت ندباتها على الأضلاع بعد مرور ثلاثين ألفاً من السنين، مع رعاية اجتماعية رافقته حتى سكرات الموت.