في صيف عام 1856 م كانت مجموعة من العمال مشغولة في مقلع للحجارة قريب من مدينة دوسلدورف الألمانية (DUESSELDORF) في وادي نهر قريب للمدينة يعرف باسم نهر (نياندر) (NEANDER) عندما قفزت في وجه عامل مع ضربة المعول قطعة صلبة من سقف جمجمة ارتاع من منظرها، فهُرع إليه زملاؤه يتأملون هذه القطعة العظمية الغريبة؟ ماراعهم فيها قساوتها غير العادية وبروز محجري العينين، وكثافة منطقة الحاجبين وعلوهما، وتسطح الجبهة وتماديها للخلف، ومع استمرار الحفر ظهرت بقيةٌ للهيكل العظمي حيث بدت إلى السطح مجموعة عظمية في غاية القساوة من سقف جمجمة، عظم ترقوة، لوح كتف، عضدان، قطع منوعة من أضلاع الصدر، عظم الحوض، قطعتان من عظم الفخذ، وأخذ من يومها ذلك الهيكل العظمي الذي أصبح علماً لكشوفات لاحقة اسم: (هيكل وادي نهر النياندر)(نياندر تال)( NEANDER – TAL) باعتبار أن كلمة (TAL) باللغة الألمانية تعني وادي، وهكذا تولد اسم هذا الهيكل العظمي وهذا الصنف من الإنسان الذي انتشر في يوم من الأيام في كل المعمورة من أوروبا حتى آسيا الوسطى، وعثر على مالا يقل على 300 نموذج له حتى الآن في كل مناطق العالم، ولم يختف من الوجود إلا منذ 35 ألف سنة، ويبقى السؤال من الذي كشف وأصر على أن هذه العظام تعود لإنسان غارق في القدم لا ينتسب إلينا؟ ومن الذي تابع هذا الموضوع بشغف المسحور ولهفة العطشان؟ إنه الأستاذ (يوهان فولروت)(FUHLROTT JOHANN) الذي كان يُدَرِّس الطلبة في المرحلة الثانوية في مدينة (دوسلدورف) الألمانية في منتصف القرن التاسع عشر و (المهتم) بدراسة التاريخ القديم للإنسان. قصة هذا المدرس تذكرني بكتاب العبقرية والإبداع والقيادة فقد أشار المؤلف (دين كيث سايمنتن) إلى ظاهرتين ترافقان الإبداع الأولى: السن حيث برز معظم الإبداع في العقد الثالث من العمر بين سن العشرين والثلاثين. والأمر الثاني: الاهتمام؟ ذلك أن كثيرا من المهتمين الذين يأتون من خارج حقل الاختصاص يبرعون فيه، ويسبقون العاملين في نفس الحقل غير المهتمين. وهو ما حصل في قصة بقايا هذا الهيكل العظمي، الذي أظهر لعين الخبير اختلافاً واضحاً عن جمجمة الإنسان العادي خاصة في أسنان قاطعة رهيبة (اعتبرت يداً ثالثة له أو سكين الجيب المرافق) ووجه دميم بملامح قاسية فظة فالأستاذ المهتم (يوهان فولروت) كان شغوفا مهتما بالهياكل العظمية وله صلة بالأوساط العلمية، وعندما وقع الهيكل تحت نظره سارع إلى خبير في التشريح الذي قام بدراسة الطبقة الأرضية التي تم العثور فيها على بقايا الهيكل العظمي، وقرر أن هذا البقايا العظمية تعود إلى فترة طويلة أكثر ما يتصور الإنسان، وتعود في الغالب إلى إنسان ما قبل التاريخ وفق طبقة (الديندريت).