كان العرب في الجاهلية يستقبحون الإحجام عن إغاثة الملهوف، ولهم في ذلك أشعار ومفاخر حتى أنهم صنفوا المثالية لديهم بأنها نصرة المستغيث من غير استبيان لأمره كما قال شاعرهم: لا يسألون أخاهم حين يندبهم …في النائبات على ما قال برهانا ولأن النخوة والمروءة من القيم المغروسة في الفِطرة الإنسانية، فقد ظلت طبيعة أصيلة للشعوب الرعوية حول العالم، لأنها جزء لا يتجزأ من أخلاق الفروسية وليست حكراً على العرب وحدهم، بل هي ملازمة للفرسان في كل بقاع الأرض. في كتاب جوزيف مارشال (استمر في المسير) سيرة تاريخية يسردها رجل كبير في السن من بقايا الهنود الحمر، الذين تعرضوا للإبادة والمذابح الوحشية على يد الإنسان الأبيض عندما غزا أرضهم، مدججاً بالبندقية التي لم يعهد مثلها الهنود الحمر ولم يكونوا على علم بصناعة هذه (الماسورة الفتاكة). ظل الرجل العجوز يسرد أحداثاً تاريخية مأساوية ومن أجمل ما روى ذلك العجوز من أحداث سنة 1854م قصة امرأة بيضاء توفي زوجها أثناء مسير قافلة من العربات فظلت واقفة مع أطفالها على قبره، ولكن القافلة سارت وتركتها. وفي هذه الأثناء مرّ بها قائد من الهنود الحمر مع مجموعة من أفراد قبيلته، فلما رآها قرر إيصالها إلى قومها واللحاق بالقافلة، ولكن رفاقه عارضوه لخطورة الفكرة في ظل العداوة مع البيض. أصرّ القائد أن يوصلها وحده فتبعه فرسانه. تعقب القافلة ووقف على مرأى منها حتى وصلت المرأة إليها، ولكن أصحاب القافلة أطلقوا عليهم النار فأبادوهم ولم ينج إلا القائد واثنان من الفرسان فقط. عاد القائد الهندي إلى قبيلته مثقلاً بالجراح وانهال عليه اللوم لكنه استجاب للمروءة على الرغم من توقعه المسبق للنتائج . فكم يا ترى اليوم من معروف مقدور عليه يمنعه الخوف من النتيجة!