لم تكن موافقة السجين السعودي السابق في العراق رقم 178758 أحمد محمد الغنام على نشر معاناته بالأمر الهين، ولم يكن اقتناعه بالأمر سهلاً؛ لأنه يرى أنها صفحة مظلمة في حياته يجب أن ينساها. إلا أن ما جعله يوافق هو استمرار مسلسل تلفيق التهم والقضايا والانتهاكات والتعذيب الذي يتعرض له السجناء السعوديون في العراق، فأراد أن يكشف تفاصيل ما يحصل في السجون العراقية للسعوديين، مستشهداً بما تعرض له وما رآه كشاهد عيان. يقول الغنام: قضيت قرابة 6 أعوام في السجون العراقية لم يكن يخطر ببالي يوماً من الأيام أنني سأخرج وأكون ضمن الأحياء، لدرجة أنني من هول ما رأيت من تعذيب وانتهاكات لا توصف جعلتني أوافق على أن يتم إعدامي مقابل أن أخرج من توابيت المحاجر السوداء، فما رأيته يشيب من هوله الولدان. البداية، كانت في مطلع شهر رمضان المبارك عام 1425ه بعد دخولي العراق بعدة أيام حينما ألقي القبض علي من قبل القوات الأمريكية في منطقة «القائم» الحدودية العراقية بتهمة تجاوز الحدود رغم دخولي بطريقة نظامية وبأوراقي الثبوتية الرسمية، ومن ثم جرى تسليمي للقوات العراقية؛ حيث بقيت أكثر من عام دون تحقيق معزولاً لا أعرف أين مكاني. وطيلة هذه الفترة كانت تمارس معي أشد أنواع التعذيب التي لا يحتملها بشر وتنوعت ما بين تعذيب نفسي وجسدي من ضرب وتعرية من الملابس وحرمان من النوم لعدة ليالٍ، وانقطعت أخباري عن أسرتي، ولم يكن أحد يعلم إن كنت حياً أو ميتاً أو إن كنت فوق الأرض أو تحتها لمدة عامين كاملين، بعد ذلك استطعت التواصل معهم برسالة خطية عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ويستطرد الغنام فيقول: تم احتجازي قرابة شهر كامل وأنا مكتوف الأيدي داخل «تابوت»، وهو ما يسمى بالمحاجر السوداء، وهو تابوت لا يزيد عرضه عن 60 سم وُضعت داخله إضاءة حمراء شديدة الحرارة؛ لتزيد من معاناتي ولكي لا أستطيع النوم، وكنت على استعداد على التوقيع على إعدامي مقابل أن أخرج من هذه التوابيت. كما تعرضت للنفي عدة مرات لمدة عام إلى أماكن مجهولة لا يعرفها الجميع، وكنا نمضى الأشهر لا نعرف أين نحن، وعند نقلنا كنا معصوبي الأعين ونُقيَّد بالسلاسل بطريقة قاسية جداً مكتوفي الأيدي والأقدام والخاصرة بحيث يصعب حتى تحركنا. وبعد قرابة عام كامل من القبض عليّ أُعيد تسليمي ضمن 80 سجيناً سعودياً إضافة إلى سجناء عراقيين ومن جنسيات مختلفة للقوات الأمريكية، وسلمونا أرقاماً خاصة كسجناء؛ حيث كنت السجين صاحب الرقم 178758. وبقيت لأكثر من عام حتى عُرضت على المحكمة العراقية لتصدر بحقي حكماً بسجني 6 سنوات بموجب المادة 10 جوازات من القانون العراقي بتهمة دخولي العراق بطريقة غير نظامية «تجاوز حدود» رغم نظامية دخولي. وبعد الحكم تم تسليمي و40 سجيناً سعودياً إلى سجن سوسة شمال العراق؛ حيث كانت الطائفية على أوجها فتم تصنيفنا على أننا وهّابيون إرهابيون تكفيريون لا لشيء سوى أننا سعوديون. تم وضع كل 3 أشخاص منا في غرف خرسانية مُحكمة الإغلاق لا تتجاوز مساحتها 2×3م وأرضيتها من الخرسانة القاسية التي صُممت على شكل درجات سلم لكي لا نتمكن من النوم أو الجلوس عليها. كانوا يمنعوننا من الوصول إلى المرافق الصحية، ويكتفون بإعطائنا أواني بلاستيكية لقضاء حاجتنا، في أجواء تسيطر عليها الرطوبة العالية وشدة الحرارة صيفاً وتدني درجات الحرارة شتاءً إلى ما دون الصفر في كثير من الأحيان. وكانت التهوية فيها شبه منعدمة، وكان من بيننا أشخاص مصابون بالربو كانوا يحاولون استنشاق الهواء من أسفل بوابة الزنزانة؛ كي لا يتعرضوا لنوبة ربو. ويستطرد يحكي: كانوا يُلبسون بعضنا بِدَلاً حمراء إيهاماً لهم بتنفيذ حكم الإعدام فيهم كوسيلة للتعذيب النفسي، بينما كان بعضنا يتعرض للتهديد بالاغتصاب أو النفي. إضافة إلى الممارسة الفعلية للتعذيب من ضرب بالهراوات والكيابل وسكب الماء البارد في درجات حرارة تصل إلى تحت الصفر. ويضيف قائلاً كنا نتعرض لأمراض وبائية خطيرة ولا نجد الرعاية الصحية. وكان الأطباء يرفضون علاجنا بحجة أنهم مضربون عن العمل؛ لأنه لم تصرف لهم رواتب وأنهم غير مسؤولين عنا. وانتشر بيننا مرض الجرب أكثر من 3 مرات، كما انتشر في إحدى الفترات مرض السل الذي راح ضحيته 8 أشخاص بينهم 2 من الإخوة السعوديين، كانوا يموتون أمام أعيننا ولا نستطيع أن نفعل لهم شيئاً. ويواصل الغنام حكايته متأثراً، يقول: كان السجانون يُدخلون الشفرات والآلات الحادة لسجناء عراقيين؛ ليقوموا بالاعتداء بعضهم على بعض، ووقعت عدة محاولات لقتل سجناء سعوديين، ما أجبرنا على أن نجتمع في مكان واحد؛ ليحمي بعضنا بعضاً. كما كانت هناك عمليات تصفية للسجناء السعوديين بعد إخراجهم بحجة تسفيرهم أو نقلهم إلى سجن آخر، وهذا الأسلوب المتبع لديهم غالباً، ويعتبر من أبسط المسائل لديهم. وأذكر، والحديث مازال للغنام، أنه كان بيننا سجين سعودي يدعى أبو عبدالله أخرجوه على أنه سيتم ترحيله إلى سجن آخر، وعلمنا لاحقاً أنه تمت تصفيته بحجة وقوع اشتباك مع مسلحين أثناء عملية نقله. كما كانت هناك عمليات بيع للسجناء؛ حيث كان السجناء يباعون إلى بعض السادة والمشايخ «الصدريين» الذين كانوا يعتبرونهم قرابين يتقربون بها بضربهم وتعذيبهم. وفقدنا أشخاصاً ممن كانوا معنا بهذه الطريقة بينهم سعودي يدعى زياد المطيري. كما أن هناك شخصاً عراقياً قاموا بقطع قدمه أثناء التعذيب. وقال إن زارة العدل في العراق لا تحتاج في محاكمتها للسعوديين إلى أدلة أو براهين أو شهود، فالأحكام جاهزة، وكل ما علينا القيام به هو التوقيع على أوراق بيضاء والتبصيم ثم يقوم المحققون بكتابة القضية التي يرغبون في تلفيقها لنا. وتتكرر هذه الحالة حين يقترب السجين من انتهاء محكوميته لتلفيق قضية جديدة له، مثلما حصل مع السعودي حسن الشهري الذي كان محكوماً عليه بالسجن لثلاث سنوات بتهمة تجاوز الحدود، وتم نقله من سجن سوسة تمهيداً لترحيله إلى السعودية ولكن بدلاً من أن يتم ترحيله تم التحقيق معه وتعذيبه وإجباره على الاعتراف بأشياء لم يقم بها ليحكم بالإعدام. وكشف ل «الشرق» رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا محمد جميل عن وجود 12 سجيناً سعودياً بين 66 آخرين في العراق مهددين بالخطر من عدة جهات منها إعادة الأحكام القضائية التي ستصدر بحقهم والتي صدرت بحق بعضهم وتصل إلى الإعدام، وبسبب الاعتداءات والتعذيب البشع الذي ربما يفضي إلى الموت إضافة إلى سوء الرعاية الصحية مع انتشار وتفشي الأمراض المزمنة والأوبئة. وقال جميل إن المنظمة رصدت عديداً من الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء في العراق من خلال بعض أشرطة الفيديو والبلاغات التي تلقتها. وأكد أن المنظمة خاطبت الأممالمتحدة لزيارة المعتقلين وبحث مشكلتهم والتدخل لسرعة الإفراج عنهم. كما قامت بالتواصل مع إقليم كردستان شمال العراق للتدخل ونقل السجناء السعوديين في السجون الموجودة في الإقليم، إلا أن الأقليم اعتذر بحجة أنهم حكومة أقليمية وليس من حقها الضغط على الحكومة المركزية، خصوصاً أن هناك خلافات سياسية قائمة بينهما بخصوص النفط. وأشار إلى أن الحكومة العراقية لا يمكن التواصل معها، وأن اللجان الرقابية في البرلمان العراقي لا يسمح لها بزيارة السجناء والاطلاع على أحوالهم. وأكد أنه لا يمكن تجاهل الدور السعودي بخصوص الاهتمام بهذا الملف، كما أنه لا يمكن المقارنة بين ما ينعم به السجناء العراقيون في المملكة العربية السعودية وما يتعرض له السجناء السعوديون من انتهاكات وتعذيب. وأقر بأن السجون العراقية لا تخضع لأية معايير داخلية أو دولية، وهي أشبه ما تكون ببيئة وحشية، ومن يقوم على حمايتهم أخطر من الحيوانات المفترسة، موهومون بعقائد مشوهة وغريبة لا تحمل أياً من القيم الإنسانية، مبنية على الطائفية الكريهة التي قتلت أبناءها من علماء وأطباء ومفكرين دون ذنب سوى انتماءاتهم الطائفية. من جهتهم، طالب أهالي السجناء المسؤولين في البلدين بالتحرك السريع في اتجاه تفعيل العمل بالاتفاقية الموقعة بينهما، والنظر إلى ملف السجناء من منظور إنساني. وناشدوا السفير السعودي الدكتور سامي الصالح مخاطبة المسؤولين العراقيين لنقل السجناء إلى موقع إقليم كردستان لتخليصهم مما يلاقونه من انتهاكات متكررة وإهمال من الناحية الصحية والغذائية، وليتسنى للمسؤولين في السفارة وأهاليهم التواصل معهم، وحتى تتمكن المنظمات الإنسانية والحقوقية من زيارتهم والاطمئنان عليهم، وكذلك حتى يستطيع أهاليهم زيارتهم بسهولة.