عرعر – عبدالله الخدير وضعوا سعوديين في توابيت أثناء التحقيق وهم أحياء لمدة شهرين. تعرّضنا لأبشع أنواع التنكيل.. وعذبوا أحد السجناء حتى بُترت قدمه. المحامي بدلاً من أن يدافع عني فبرك لي قصة ليتم إعدامي. عشرات السعوديين في العراق لم تنتهِ معاناتهم وبحاجة إلى تدخّل. قد لا تصف الكلمات حجم المعاناة التي عاشها عبدالله محمد هندي العنزي لأكثر من ثماني سنوات قضاها في جحيم غياهب السجون العراقية، بعدما قُبض عليه على الحدود السعودية العراقية وهو في متوسط العقد الثاني من عمره، وذكر الهندي أنه تعرّض لألوان العذاب المهول ما بين تهديد بالقتل وضرب إلى فقدان الوعي وإجبار على السهر لمدة ثلاثة إلى أربعة أيام وحرمان من الأكل، وترحيله إلى أكثر من سجن عن طريق الطائرات المروحية، عن طريق طائرات النقل الكبيرة التي كانت تقلّهم من مطار إلى مطار. وشبّه عبدالله خروجه من السجون العراقية بولادته من جديد، ويرى أن معاناته انتهت، لكنه لا ينسى أن هناك عشرات السعوديين في العراق لم تنتهِ معاناتهم بعدُ، وبحاجة إلى التدخّل للتعجيل في الإفراج عنهم، وجمعهم بأسرهم، ويؤكد أنهم كثيراً ما تعرّضوا للضرب والتعذيب حينما لا يرضون بالتطاول على وطنهم. تجاوز الحدود وسرد العنزي قصة إلقاء القبض عليه قائلاً «في عام 2004م أي قبل ما يزيد على ثماني سنوات تقريباً حينما ألقت القوات المشتركة القبض علي بتهمة تجاوز حدود، وفي البداية جرى إيقافي في قاعدة عسكرية في مكان أشبه بالخندق، وبقيت قرابة ثلاثة أيام، بعدها نقلوني إلى قاعدة عسكرية أكبر تسمى اللواء الثامن، وفي هذه الأثناء مورس التحقيق معي باستخدام وسائل الضغط النفسي مثل وضعي في عزل انفرادي والتحكم في الأكل، ومواعيد النوم، وبقيت تسعة أيام، وفي اليوم العاشر تم نقلي إلى سجن المطار المعروف بسجن «كروبر»، وتم وضعي في سجن انفرادي (زنزانة) لا تتجاوز مساحتها 2م x1م جدرانها من (الفيبر قلاس) مطلية باللون الأسود، حيث أمضيت هناك قرابة الشهرين وأنا معصوب العينين ومكتوف الأيدي خلف ظهري لا يفك عني إلا وقت تناول الطعام أو حين السماح لي بدخول دورة المياه، وكانت تمارس ضدي أنواع العذاب مثل التهديد بالقتل والتصفية وإسماعي صوت صراخ الذين يتعرّضون للتعذيب في الغرف المجاورة. وكان بجواري أشخاص تم وضعهم داخل توابيت سوداء طيلة فترة التحقيق معهم وهم مكتوفو الأيدي ومعصوبو العينين، أحدهم سعودي أمضى 48 يوماً داخل التابوت. سجن أبوغريب ويكمل العنزي «تم تحويلي إلى سجن أبوغريب الخاضع للقيادة الأمريكية، وبعدها بأيام قليلة أعطوني ورقة اتهام ملفقة بأنني مقاتل أجنبي، رغم أنني لم أُسأل عن هذه التهمة ولم تكن لدي اعترافات، وبعد مضي أكثر من ستة أشهر تقريباً أحلتُ إلى المحكمة، وصدقت أقوالي لدى القاضي ونفيت علمي بهذه التهمة وأنه ليس لدي أي انتماء لأي جماعة من الجماعات المقاتلة، ثم أعدت إلى السجن، وبعد عشرة أيام عرضت على القاضي مرة أخرى وكانت المحكمة عسكرية فطلبت من القاضي والقوات الأمريكية إحضار محامٍ ليقوم بالترافع عني، فطلب مني القاضي الخروج من مكتبه للمداولة مع القضاة، وفي هذه الأثناء حضر لي شخص أخبرني بأنه محامٍ من المحكمة سيتولى الدفاع عني في هذه القضية. قصة لتوريطي ويضيف «استغربت طلب المحامي مني أن أعترف بقصة قام بفبركتها، كان الواضح أن الهدف منها توريطي، كان يطلب مني أن أعترف أمام القاضي بأن عدم قناعتي بشرعية الحكومة العراقية، ومعارضتي للحكومة الشيعية، هما السبب وراء حضوري، وأن هذا الخطأ حصل لجهل وأطلب الإفراج، فرفضت وقلت له لن أعترف بشيء لم أرتكبه، وحينما دخلت على القاضي مرة أخرى قام المحامي بالترافع عني بالقصة التي طلب مني الاعتراف بها، وحينما سألني القاضي أنكرت وأكدت له عدم صحة ما قاله المحامي، وأكدت أنه ليس لدي سوى ما ذكرته في التحقيق، وهو ما صدقت اعترافي عليه. فقام المحامي يسخر مني ويستهزئ بي بكلام بذيء. نطق بالحكم وأكمل «بعدها سألني القاضي هل لديك أقوال أخرى فأجبته بالنفي، ثم نطق القاضي بإنزال عقوبة الإعدام بحقي، وأضاف لكن بعد النظر والمداولة ورأفة بشبابك حكمت المحكمة وبناءً على المادة 10 تجاوز حدود بسجنك عشر سنوات مع الشغل والنفاذ، ثم ناداني القاضي بطريقة يتضح فيها الاستهزاء قائلاً «أنت يا أبوالبترول» حكمت بمصادرة جميع الأموال التي كانت معك المنقولة وغير المنقولة». ليعيدوني إلى سجن أبوغريب، وبقيت ثلاثة أسابيع، ثم نقلوني إلى سجن أبوغريب الذي كان خاضعاً للقيادة العراقية وبقيت شهرين، ثم نقلوني إلى سجن «الشعبة الخامسة» الذي يعده كثيرون الأسوأ من بين السجون في العالم، فيكفي أن تكون أمنيتك الوحيدة التي لم تتحقق هي «الموت» من هول ما ترى وتسمع، ومنذ دخولي وكنت معصوب العينين قاموا على الفور بضربي بالهراوات إلى أن أغمي علي. حفلة ليلية وزاد العنزي «في اليوم التالي اقتادوني من زنزانتي وأخبروني بأن لديهم حفلة هذه الليلة ولابد من حضوري، وكانت روائح الخمر تفوح منهم، فقاموا بضربي وضرب جميع السجناء السعوديين حتى فقدت الوعي تماماً ولم أفق إلا في اليوم التالي في الزنزانة وأنا مضرج بدمائي التي سالت من جميع أنحاء جسمي جراء التعذيب. وكانوا يتلذذون بتعذيبنا وسماع صياحنا جراء هذا التعذيب ويجبروننا على السهر ونحن واقفون مدة تصل إلى أربعة أيام. بتر قدم سجين وقال عبدالله والحسرة تغطي محياه «رغم هول ما تعرّضت له من عذاب وتنكيل وما رأيته من التعذيب، لم أشاهد أبشع من التعذيب الذي تعرّض له أحد السجناء المسلمين من روسيا، الذي تعرّض للتعذيب حتى بُترت قدمه». سجن البادوشة «بعد مرور أكثر من عام تم نقلي إلى سجن (البادوشة) في الموصل، كان من أفضل السجون العراقية التي مررت بها، حيث تمكنت وللمرة الأولى من الاتصال على عائلتي بعد هذه السنين القاسية، وكانت المفاجأة لشقيقي الذي لم يكن مصدقاً أنني من أحدثه على الهاتف، حتى بدأ يسألني عن اسم والدتي، وخطيبتي وبعض الأشياء الخاصة ليتأكد. وكانت الصدمة لي حينما تحدثت مع أخي الأصغر في تلك المكالمة، حيث لم يكن يستطيع الكلام، فعلمت أنه تعرّض لحادث مروري سبب له شللاً». سجن سوسة وبعد أن أمضيت قرابة ثلاث سنوات وخمسة أشهر سجيناً في العراق تم تحويلي أنا وقرابة خمسين سجيناً سعودياً على شكل دفعات إلى سجن سوسة، وهو سجن فيدرالي يقع في إقليم كردستان، ويتبع لوزارة العدل العراقية، ولم يكن مهيأ، ولا يوجد فيه كادر طبي، وكانت التغذية سيئة للغاية. كنا نقيم في غرف كبيرة داخل السجن، كل غرفة تتسع لما يقارب أربعين إلى خمسين شخصاً. ولكن بعد فترة لمسنا تحسناً ملحوظاً في خدمات السجن، حيث أُوجد كادر طبي، وسُمح بإرسال الحالات المستعصية إلى العاصمة السليمانية عاصمة إقليم كردستان. وبدأت تصلنا إرساليات البريد من أهالينا عن طريقDHL، وكذلك الحوالات المالية التي كانت عوائلنا تقوم بتحويلها لبعض الأشخاص العراقيين الذين تعرّفنا عليهم لإيصالها لنا، أو لإدارة السجن، الذي كان مديره العقيد موفق أبوبكر، وكان دكتوراً في تخصص علم النفس، و من أرقى الناس في التعامل معنا، حيث كنا نلمس منه احترامه لنا وتعاطفه معنا. الصليب الأحمر وطيلة هذه الفترة لم تقدم لنا السفارة أي دعم، ولم يقُم بزيارتنا أحد من مسؤوليها رغم محاولتنا التواصل معهم في مرات عديدة دون جدوى. وكانت هناك زيارات دورية شهرية لمنظمة الصليب الأحمر، حيث كانوا يلتقون بنا ويستمعون لمطالبنا ويحضرون لنا الرسائل والصور، كما كانوا يأخذون منا الرسائل لإيصالها لأهالينا. انتهاء المحكومية وفي تاريخ 1/6/2012م أنهيت محكوميتي بموجب حسن السيرة والسلوك، بعد أن أمضيت سبع سنوات ونصف السنة، وكنت أنتظر ورقة إطلاق السراح التي كان من المفترض أن تصل قبل انتهاء المحكومية بأسبوعين على الأقل. إلا أنني تفاجأت وبعد أن تجاوزت المحكومية بقرابة الشهرين، بتحويلي إلى سجن الرصافة الخامسة، بحجة أن أوراق إطلاق سراحي غير مكتملة، وبقيت هناك ما يقرب الشهر، ثم حولت إلى سجن أبوغريب الذي رفض تسلمي حينما علم أنني سعودي، وأعادني إلى سجن الرصافة الخامسة. وكان ذلك في شهر رمضان المبارك، فوضعوني في غرفة سقفها وجدرانها من الحديد، كانت بلا كهرباء في صيف شديد الحرارة وأنا صائم. وبعد شهر رمضان قاموا بتحويلي إلى سجن التاجي، وأثناء الطريق قاموا بضربي حتى فقدت الوعي، ولما وصلنا قاموا برش الماء على وجهي حتى أفقت، فوضعوني في غرفة العرض، وبقيت ثلاثة شهور، وكنت طيلة هذه الفترة أحاول من جهة وعائلتي في المملكة من جهة أخرى التواصل مع السفارة بغية إيجاد حل، دون نتيجة. مسؤول عراقي وبعدها بفترة حضر إلى محامٍ دفعت له 500 دولار للإسراع بترحيلي، لكنه لم يستمر واعتذر بحجة أنه مُورست عليه ضغوطات فتخلى عني. وفي هذه الأثناء ذكر لي أحد السجناء شخصاً من كبار المسؤولين في العراق من الممكن أن يساعدني لكن بمقابل وأعطاني هاتفه، فتواصلت معه وطلب مني 2500 دولاراً، فأعطيته 5000 دولار مقابل إنهاء إجراءاتي. وبعد أن تم إيداع المبلغ في حسابه أخبرني بأنه سيطلق سراحي بعد 13 يوماً، وفي هذه الأثناء نقلت إلى سجن كروبر بعد أن أصبح تحت القيادة العراقية، وبعد 13 يوماً أعادوني إلى سجن الرصافة الثانية تمهيداً لإطلاق سراحي، وبعد ثلاثة أيام اتصلت بالمسؤول وأخبرته بأنه سوف يتم تحويلي إلى الترحيل، ولكن قبل ذلك ومحاولة منهم لتأخير إطلاق سراحي، حيث كنا في نهاية دوام يوم الخميس، أدخلوني غرفة وقاموا بضربي بتهمة أنني قمت بالاتصال على قناة العربية والجزيرة تارة، وتارة يقولون أنت اتصلت بالمقاومة العراقية وزوّدتهم بأسماء السجانين الذين سوف يرافقونك وإحداثيات المكان، وبطحوني أرضاً ووضعوا السلاح على رأسي وهدّدوني بالقتل. وبعد وصولي إلى الترحيل انقطع التيار الكهربائي، فرفضوا استقبالي بحجة عدم قدرتهم على إدخال بياناتي بسبب انقطاع الكهرباء، ولانتهاء موعد الدوام الرسمي أصرّ المسؤول على تسلمي على مسؤوليته الشخصية، وطلب مني توفير الحجز بأسرع وقت ممكن، لأنه أحس بتدبير مكيدة لي، فهاتفت شقيقي وقام بالحجز لي على الرحلة التي تقلع صباح الأحد. وبعد وصولي اتصل بي الشخص المسؤول الذي ساعدني فأخبرني بأنه بعد مغادرتي ورد لهم خطاب من الاستخبارات المركزية يطلبون فيه إعادتي من الترحيل إلى دائرة الاستخبارات المركزية لوجود قضايا اختراق واغتيال تستدعي التحقيق معي فيها تصل عقوباتها إلى الإعدام. شكر وعرفان وختم العنزي حديثه ل»الشرق» قائلاً «كلمة الشكر والعرفان لن تفي ولاة أمرنا حقهم، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف حفظهم الله، فاهتمامهم بقضية السجناء السعوديين في العراق لم يحظَ به أي مواطن من دولة أخرى، وأتمنى مساعدتي بعلاج أخي عبدالرحمن في ألمانيا، وتأمين عمل شريف يساعدني على أعباء الحياة، ومسكن، خصوصاً وأنني مُقبل على حياة اجتماعية جديدة، حيث سأحتفل بزواجي الأسبوع المقبل. عبدالله العنزي يتحدث إلى الزميل الخدير (تصوير: عبدالله الخدير)
عبدالله العنزي في مطار أبوظبي في طريق عودته للمملكة