أكد المواطن السعودي العائد من العراق عبدالله العنزي أن اتفاق تبادل السجناء الموقع بين السعودية والعراق لم يفعّل لعدم مصادقة البرلمان العراقي عليه بسبب الاصطفاف الطائفي، مشيراً إلى أن خمسة شبان سعوديين ممن يعرفهم قد يكونون في الطريق إلى الإعدام، حكماً أو تنفيذاً، وأنه رأى نماذج كثيرة من شباب سعوديين معذبين، أشدهم شابٌ فقد عقله ولا يزال يعذب، فإلى نص الحوار: ما الفكرة التي خرجت بها بعد هذه التجربة؟ - خرجت من هذه التجربة بذكرى مؤلمة، لأنها كانت ظالمة غاشمة من دون أية تهمة، سوى أني أحمل الجنسية السعودية، مع أن وجودي هناك كان معتاداً عليه لأني من قاطني مدينة حدودية (عرعر)، ومع هذا تم التعامل معي من الحكومة العراقية بإجحاف، فقط لأني حامل للجنسية السعودية، والمحاكمة مرت في مراحل لم أكن أعطى فيها أي حقوق، فقط لأني سجين سعودي. ما التهمة الموجهة إليك؟ - بسبب وجودي في الأراضي العراقية، من دون أي تهمة، وعندما انتهيت من التحقيق كنت انتظر الاستدعاء للإفراج وفجأة قدمت للمحكمة، ووجدت نفسي أمام القاضي، وأتاني من ادعى أنه المحامي وأنه موكل عني من الحكومة العراقية، وسرد لي قصة مختلقة ليس لها علاقة بما جرى لي، مريداً توريطي في بعض المسائل، فرفضت، وطلب زيادة على ذلك تأييده أمام القاضي، وهذا ما حدث، فنفيت ما ذكره وذكرت الحقيقة، ونفيت الكذب، والغريب أن المحامي طلب من القاضي إنزال العقوبة بي بطريقة استفزازية، فحكم القاضي بسجني عشرة أعوام، وتفاجأت بهذا الحكم لأني كنت انتظر الإفراج، فسألت القاضي عن المادة التي حكم علي بموجبها، فقال لي: «هل أنت سعودي؟ قلت: نعم. فقال: اخرج أنت سعودي وتسأل عن المواد؟». إذاً تعتقد أنك تستحق ستة أشهر وليس عشرة أعوام؟ - هذا صحيح، أسوة بالإيرانيين والجنسيات الأخرى. وكم بقيت في المعتقل العراقي؟ - بقيت ثمانية أعوام كفترة كاملة، ولكن حكمي 10 أعوام، وكنت أتنقل بين معظم سجون العراق، ففترة التحقيق الأولى كانت في سجون سرية لا أعلم عنها شيئاً، وبقيت في مكان فيه زنزانة سوداء لا أعلم فيها الليل من النهار، بقيت فيها شهرين، ثم نقلت إلى سجن أبوغريب سيء الصيت، ثم نقلت إلى سجن الحماية القصوى الخاصة بالإعدامات، وبعدها نقلت إلى سجن بادوش لمدة عام، ثم سجن سوسة وقضيت فيه خمسة أعوام ونصف، وبعدها إلى سجن الرصافة، ومن ثم إلى التاجي، وبعدها إلى سجن المطار كروبر، وبعدها إلى الرصافة ومن ثم الترحيل. كيف ترى الفرق بين السجان الأميركي والعراقي؟ - حقيقية هناك فرق شاسع، فالسجان الأميركي وإن كان مختلفاً معنا في الديانة، ولكن لديه لك حق وعليك حقوق، بينما السجان العراقي فعليك حقوق وليس لك أي حق، بل ويتعدى على حقك، ودائماً يسأل في فترات التعداد والدخول أين السعوديين، لينتقل بعدها إلى الإهانات أو الضرب، وغالباً الضرب. متى تم تحويلك من المسؤولية الأميركية إلى العراقية، وكيف تم ذلك؟ - في البداية مكثت في عهدة الأميركيين (المارينز) قرابة ستة أشهر، ثم نقلت إلى الحكومة العراقية، والإدارة الأمنية الكبرى للأميركيين ولكن الإدارة في الداخل عراقية، وبقيت على هذه الوتيرة حتى انسحب الأميركيون في 2011، فانتقلت بالكامل إلى العهدة العراقية. ألم يصادف في هذه الفترة الطويلة أنك دخلت في سجن لم تجد فيه سعودياً؟ - لا أعتقد أني دخلت سجناً لم أجد فيه سعوديين، كل السجون التي دخلتها وجدت بها سعوديين، وكان في سوسة العدد الأكبر، وفي الفترة الأخيرة قبل 15 يوماً من الآن نقلوهم من السوسة إلى سجن التاجي، وذلك لفرز القضايا عن بعضها، مع أن سجن سوسة يعتبر جيداً في المعاملة، لأن السجن فيديرالي يتبع من يعمل فيه وزارة العدل العراقية، وهم أكراد، والمدير جيد في معاملته ويعاملنا كأي سجين، إضافة إلى أن النظم التي يسير عليها السجن هي نظم أميركية. وما السجن الأسوأ من ناحية السمعة والتعذيب الذي يحصل فيه؟ - بالنسبة للتعذيب هناك نوعان جسدي ونفسي، والنفسي يقع على الإنسان أشد من الجسدي، وتختلف السجون فهناك سجن يكون فيه التعذيب النفسي أكثر، والبعض الجسدي أشد، فتختلف على السجناء عموماً، لكن تعذيب السعوديين واحد، وفي الآونة الأخيرة ما زال هناك من يقبعون في سجون الرصافة وكروبر والرصافة والتاجي، ولا يزالون يعذبون، وهناك سعودي مفرج عنه في سجن الرصافة الثانية ما زال يُضرب، واسمه مساعد محيا المطيري. وهل رأيت غيره ما زال يُعذب في السجون؟ -حينما نقلت من التاجي إلى المطار، رأيت شاباً سعودياً مفقوداً من 2008، وأهله لا يعلمون عنه أي شيء، وتواصلت مع أهله هنا، وبحثوا في نفس المنطقة، فلم أجد أحداً يعرف عنه شيئاً إلا بعد فترة، وهو في حينها نصف عاقل به اختلال عقلي، وبقيت معه فترة 15 يوماً وتواصل مع أهله، وكان يُعذب من السلطات الأمنية، ومضروب في رأسه، فرأسه شبه مفتوح والعظم مكشوف، وعلمت أنه جُنّ بشكل كامل قبل نصف شهر، وفي أحد الأيام كنا جالسين ونحن مجموعة من السعوديين، فسألوا عن السعوديين فلم نقم، بينما وقف هو لأنه لا يدرك ما يحدث بعد ذلك، فضربوه وأخذوه وأتوا به في اليوم الثاني ولم نعرف ملامحه من كثرة الضرب والدم، وفوجئنا في اليوم التالي بأن الرجل يبكي ويريد والدته، فأدركنا أنه فقد عقله بالكامل، وتركته في كروبر وما زالت عليه آثار التعذيب، وما زال يعذب في حالته الحالية، وحكم عليه وهو شبه مختل بستة أعوام، واسمه زيد ملوح المايقي الشمري. وهل تعرف حالات لسعوديين حكم عليهم بالإعدام أو في طريقهم للحكم أو التنفيذ؟ - عموماً لا أعلم العدد، لكن الذين أعرفهم تقريباً خمسة، والأعداد قابلة للزيادة، فهناك من حكم عليه بإعدام واحد، ومنهم من حكم عليه بإعدامين أو ثلاثة إعدامات، ويحكم القاضي على من يريد وهو في السجن لا يعلم، ومنهم عبدالله عزام المصدق على حكم الإعدام الخاص به، وهناك بدر الشمري. هل كنت تلتقي مع هؤلاء في السجن؟ - لا لم ألتق بهم، لأني كنت في سجن الحماية القصوى في العام 2005، وبقيت به فترة، ومن ثم انتقلت منه، وهم أتوا بعدي. قبل فترة الإفراج، هل تغيرت المعاملة معك؟ - في سجن سوسة لم تتغير، لكن عندما أتيت إلى سجون بغداد كانت المعاملة سيئة، وأنا قبل أن أخرج وحين كنت متوجهاً للترحيل استدعوني ونادوا باسمي وتحققوا من شخصيتي، ومن ثم لفقوا لي تهمة التواصل مع وسائل الإعلام الخارجية، فرددت عليهم بأني لم أفعلها، وإن فعلت فليست جريمة تمنعنا من إطلاق السراح، فحدثت بعض الخلافات، وكان هذا يوم الخميس الماضي، وفي النهاية علمنا أن ذلك ابتزاز لسحب الأموال، فدفع بعض السجناء بعض المال وخرجت. وعلى أي أساس تتم المعاملة في السجن؟ - المعاملة قائمة على البعد الطائفي بامتياز، وعلى جسّ النبض الطائفي، فيُتعامل معك طائفياً، وعندما يُدرك أنك متفق معه مذهبياً فقد تتغير المعادلة بامتياز، وأنا كنت أعذب فترة من الفترات من الليل إلى النهار بسبب الاختلاف المذهبي من دون أية تهمة، وبتعذيب شديد، لا أعرف بماذا أعذب، فقط أشعر بالحديد في البداية. وماذا حدث بعد ذلك؟ - عند نقلي إلى المطار كان هناك غضب من بعض المسؤولين لأنهم لم يحصلوا على بعض الأموال، فبلغوا عني جهات أمنية أخرى، ولكنهم لم يستطيعوا أن يقبضوا علي لأني خرجت من أيديهم إلى الترحيل. أخيراً هل تشعر بانفراجة قريبة للشباب السعودي؟ - أنا واحد من ضمن شريحة من الشباب السعودي المعتقل في العراق، وما جرى لي جرى عليهم، بل كنت في بعض الأحيان أستطيع تخليص نفسي، ولا يزال الكثيرون يعانون في السجون المختلفة، وفي سجون بغداد التعامل أقسى، لأن المعاملة بالولاءات الخارجية، وجميع الحراس والموظفين لهم الولاءات خارج النظم الحكومية، وبعضهم تابعون لميليشيات، ونحن فقط وسيلة ضغط، وبعض الأحيان نمر بشدة لا تفسير لها إلا ما يحدث في الخارج في المنطقة العربية. وما هي وصيتكم لأسر المعتقلين السعوديين في العراق؟ - أنا محمل برسالة من بعضهم لأهلهم، بأنهم يعيشون في حال يرثى لها، طالبين منهم تكرار الضغط على الحكومة العراقية بتفعيل اتفاق تبادل السجناء مع السعودية، لأن اتفاق تبادل السجناء العرب لم يفعل، ولم يصادق عليه حتى الآن في البرلمان، فيما صُوت وصُودق على الاتفاق مع إيران، وأيضاً اتفاق تبادل السجناء الموقع مع السعودية لم يصادق عليه البرلمان لوجود جهات لديها اصطفاف طائفي لا تريد التوقيع عليه، ولأسباب الظروف الراهنة في الشرق الأوسط، وليبقوا وسيلة ضغط للحكومة العراقية.