غادر بصمت، ودون أي ضجيج، ورغم أن أشهر منتديات جدة الأدبية وأعرقها (إثنينية عبدالمقصود خوجة) ستفقد الراحل حسين عاتق الغريبي الأديب والكاتب والمؤلف جسداً، إلا أن جنبات المكان لن تفقد ولن تنسى أبداً روحه الخلاقة، وابتسامته المشرقة التي اشتهر بها، وهو يوزعها على حاضري أمسيات الإثنينية وروادها طوال عقدين من الزمن. ولم تكن وفاة الغريبي أمس في مكةالمكرمة، وهو المولود فيها أصلاً عام 1361 إلا إيذاناً بنهاية فكر وثقافة وعلم لرائد من رواد جيله، فضلاً عن إسهاماته الإعلامية الجمة، خصوصاً وهو يقضي فترة ليست بالبسيطة مشرفاً على الملحق الأدبي والثقافي في صحيفة الندوة المكية، وكاتباً لوقت ليس طويلاً في جريدة المدينة، حتى تركهما طوعاً وباختياره للعمل مراجعاً ومتابعاً لإصدارات إثنينية عبدالمقصود خوجة في عروس البحر جدة. وحفلت حياة “الغريبي” العملية بمشاوير عدة بدأت من خلال عمله معلماً ومديراً طوال أكثر من أربعين عاماً، خلافاً عن مشاركاته في قيادة دفة عدد من اللجان التربوية والتعليمية داخل إدارة تعليم مكة، على أنه لم ينس أيضاً ووسط تيار التعليم الجارف الكبير أن يخصص جزءاً من وقته الكبير للتأليف والكتابة، فأصدر عدداً مهماً من الإصدارات الأدبية جاء من أهمها حديث الذكريات مع رجال التعليم المعاصرين في مكة، وتاريخ التعليم في العاصمة المقدسة، فضلاً عن كتابه الشهير الغربال، الذي تناول من خلاله قراءة كاملة في حياة وآثار الأديب محمد سعيد خوجة من جزئين. وبدا أن حلم الغريبي في العودة إلى مكة تحقق أخيراً، فبعد إسراره أخيراً لابنه صلاح عن حلمه أن يعود إلى مكة ساكناً ومقيماً، بعد غربة عنها طويلة، شاءت الأقدار أن تلامس أنفاسه الأخيرة وديان بكة، وبطحائها العريقة، ويوارى جسده الغض الثرى بمدافن المعلاة، منهياً حقبة لشخصية خدمت التعليم والثقافة والأدب طوال مسيرة حياته.