تُدرس جميع العلوم لكن رسومها باهظة واختباراتها مباغتة تسبق الدروس دائماً حتى وإن تكررت.. بعضهم يتخرج فيها بمرتبة الشرف وهو على مشارف الشباب، وبعضهم الآخر يوشك على المشيب ولا يزال في المرحلة التمهيدية.. التسجيل فيها مفتوح على مدار العام والقبول متاح للجميع.. رسومها غير ثابتة، فهي تتفاوت من شخص لآخر حسب درجة نضجه ووعيه، وتزداد بشكل ملحوظ على من لديهم صعوبات في التعلم.. فطريقتها في التدريس قائمة على مبدأ التعلُّم الذاتي والتعلّم بالملاحظة والمحاكاة، ومعمل التجارب فيها قائم على مبدأ قراءة النتائج لا إعادة تطبيقها، هدفها أن يتعلم الطالب من أخطاء الآخرين كي لا يدفع تكلفة الوقوع في الخطأ، شعارها نبدأ من حيث انتهى الآخر، رؤيتها الخروج بأقل الخسائر، رسالتها «وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون». في مدرسة الحياة لا مكان للفشل عندما تكون لدينا قابلية للتعلم، فعندما ننهزم في بعض معاركها نعم نتألم لكننا نتعلم، نعم نسقط لكننا ننهض أكثر عزماً وإصراراً، نعم نحزن لكننا نفرح فيما بعد، تماماً كما هو الحال عندما ننام بعد يوم متعب كي نصحو أكثر قوةً ونشاطاً. المهم أن نحدد أهدافنا ونرسم لها الخطط ثم نبدأ بمشوار تطبيقها، قد نخفق مرات وقد نُصيب مرات أخرى، فلا يجب علينا أن ننعت أنفسنا بالفشل ونُحبط من عزمنا ونقف مكتوفي الأيدي أمام عثرات النفس قبل عثرات المكان والزمان، وفي المقابل علينا أن لا نُصاب بالعُجب فنرضى بما حققنا ونرى أنفسنا قد وصلنا وفي الحقيقة نكون بدأنا بالتراجع بعد أن مهدنا الطريق فسلكه غيرنا. هذا هو الدرس، بمقدار ما نتجرع من مر الصبر يكون الفرج، أليست لنا الأنبياء قدوة؟ فمنذ نشأة الخليقة وهم مرسلون لتحقيق أهداف سماوية، تعرضوا خلال مسيرة حياتهم لكثير من مواقف الإحباط والمعارضة والشتم والقذف، بل منهم من اتُّهم بالجنون والدجل، لكن ثقتهم بالله وبسمو أهدافهم ومعرفتهم بأنفسهم وثباتهم على مبادئهم واكتشافهم ما لديهم من إبداع يجعلهم يصرون على الوصول لمبتغاهم، فتراهم يغيرون مسارات حياتهم، وكلما أغلق في وجههم طريق سلكوا آخر، مما جعلهم جميعاً يحققون أهدافهم ويصلون لما سعوا إليه، بل واصل أبناؤهم مسيرهم على التوالي، وإلا لما كنا اليوم خير أمة أخرجت للناس. إذن، من يتنقل بين فصول مدرسة الحياة، ومن لا يخضع لمحبطات نجاحه ويسير في الدرب الذي يُحقق آماله، سيصنع من العثرات التي تواجهه سلماً يرتقي به نحو القمة، مما يجعل له شأناً في الدنيا وأعلى مراتب الفردوس في الآخرة بوعد من الله.. «إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً».