تقول داعية السلام الهندية أرُندهاتي روي Arundhati Roy في مقالة مهمة لها متحدثةً عن جثث الأمريكيين الذين يقتلون في الخارج ثم يُلفون بالعلم وتطلق البنادق احتفالاً بموتهم؛ أن «عَلَمَ» الدولة يخدم تماماً في لفِّ الرؤوس كي تختنق عن أي تفكير؛ فإذا مات الناس في ميادين القتال خَدَمَ مرة أخرى في لفِّ الجثث المقطعة المشوهة. ثم قامت باستعراض لائحة الحروب الأمريكية: كوريا (1950-1953)، غواتيمالا (1954)، إندونيسيا (1967- 1969)، كوبا (1958)، الكونغو (1959-1961)، لاوس (1965)، فيتنام (1964-1973)، كمبوديا (1961-1973)، غرينادا (1969-1970)، ليبيا (1983)، سلفادور (1986)، وكذلك نيكاراغوا – باناما (1989)، والعراق (1991)… ثم أفغانستان. وعلَّقت على أحداث 11 سبتمبر أنها غيَّرت أموراً جوهرية خمسة: الحرية، والتقدم، والرفاهية، والتقنية، ومفهوم الحرب. كان عنوان مقالتها «الحرب تعني السلام أم السلام هو الحرب؟»، لتصل إلى جملة لاذعة: «إنهم يريدون منا أن نعتبر فجأة أن الخنازير أصبحت خيلاً، وأن العذارى انقلبت ذكوراً، وأن الحرب هي السلام!». وعند ظاهرة طالبان تذكر فكرة مهمة، وهي أن حرب العشرين سنة في أفغانستان كلفت 40 مليار دولار، وسبعة ملايين لاجئ، ومليوناً ونصف مليون قتيل، وعدداً من الألغام الأرضية يفوق عدد السكان يقدَّر بحوالي 15 مليون لغم أرضي ضد الأفراد، يموت من انفجارها كل شهر أربعون من الأطفال. وإذا كان التقدم والحداثة قد دخلا أفغانستان فقد جُلِبَ التقدم على صورة مدفع فوق ظهر حمار! فلم تعرف أفغانستان التقدم إلا بتوريد الأسلحة الحديثة، فأتقن الأفغان القتال وصناعة الموت، وانتُزِعَتْ الرحمةُ من قلوبهم، مما يذكِّر بحرب «داحس والغبراء» في الجاهلية، لنكتشف بمرارة أن حرب الجهاد الإسلامية لم تكن إسلامية بقدر ما كانت حرباً أمريكية، خاضها شباب مسلمون مغفَّلون. إن اللعب بالنار لا يجعل النار لعبة، وإن اعتماد السلاح لحلِّ المشكلات يرهن صاحبها لقبضة القوة، ومن اعتاد قتل العدو اليوم سوف يقتل الصديق والرفيق والأخ غداً. وهذا الدرس مهم في إدراك أن القوة لا تحرِّر بل تأسر. وفي نهاية مقالتها تصل روي إلى أن الحرب ليست حرب حضارات سخيفة، بل حرب توسع وهيمنة، وأن أربع مؤسَّسات في أمريكا – هي مصانع السلاح والبترول والإعلام مع الخارجية – تشكل ورماً متجانساً وخطيراً في توجيه أمريكا والعالم، وأن كثيراً من رؤوس السياسة لهم علاقات خاصة مع هذا الكارتل.