منذ ما يقارب أكثرمن عقدين ونحن ما إن تنتهي أية إجازة، إلا ويظهرالاقتصاديون والمحللون ومعهم بضاعتهم التي لا تقبل أية احتمالات أو كما يقول إخواننا المصريون (ما تخرش الميه) كونها تتحدث بلغة الأرقام عن نسبة إنفاق السعوديين خلال الإجازات في الخارج ومعها تخرج الأسئلة التي نعرف حلولها! وفق جريدة الرياض فإن السعوديين أنفقوا خلال أسبوع واحد (إجازة الربيع) 1.2 مليار ريال وأن نسبة الإنفاق على السياحة الداخلية لا تتجاوز 10%! كما تؤكد التقارير أن دبي احتلت المرتبة الأولى في قائمة الأسرالسعودية، خصوصاً بعد فتح رحلات طيران مباشرة إلى دبي من مطارات إقليمية.. وتقارير أخرى بينت أنه خلال أسبوع الإجازة بلغ عدد المسافرين إلى البحرين عبرالجسر أكثر من 400 ألف زائر! إذا كنا نعرف أن الطقس في دبي لن يكون ممطرا ولن تكون الغيوم قد غطت البحرين ولا الثلوج قد كست قطر، فلماذا يكذب السعوديون على أنفسهم عندما يقولون إن الطقس رائع ويعانون المشقة لبلد مشابه تماماً لمناخ السعودية! ماذا يفعل السعوديون في كل إجازة في الخارج؟ هذا هو السؤال الذي ينطلق من فم المواطن العادي والمسؤول وفي نفس الوقت في جوف كل منهما الإجابة! الصراحة هي أن المواطن عندما يسافر أعزباً أو مع زوجته وأطفاله فإنه يبحث عن الحرية الشخصية! وحتى لا تفسر الحرية بأنها الحانات والكباريهات؛ فإن (الحرية السعودية) التي أعنيها بسيطة ولا تحتمل الكثير من التفسيرات.. هي تعني في مفهوم المواطن السعودي (الغلبان) أن يذهب للمطعم ويتناول وجبة العشاء مع أسرته دون حواجز ودون أن يأتي بعض رجال الهيئة أو المحسوبين عليها قائلين للمرأة (غطي وجهك يا حرمة)! أن يدخل الملاهي مع أطفاله دون أن يقف في الشارع منتظراً خروجهم! الشاب يستطيع أن يحضر للسينما لكي يستمتع بالجديد بدل الدوران والتفحيط في الشوارع! الفتاة يمكنها أن تستمتع بالذهاب للتسوق بسيارتها وعندما تريد شرب القهوة في الكوفي المطل على الشارع لا أحد يمنعها.. وإذا أراد شخص الاستمتاع بحضور حفل غنائي أو مسرحية فالخيارات عديدة. السعودي يبحث عن الأماكن التي يجد فيها الابتسامة من قبل الجميع.. حرية السعودي في الخارج لا تتعدى أنه يريد أن يمارس حياته الطبيعة بعيداً عن أعين وسلطة الناس التي تمطره إما بالتحريم أو العيب والنقصان كون الثقافة العامة والسائدة تجعل الشخص أمام مسارات محددة لا خيار فيها ومن هنا تأتي مشكلة القيود الاجتماعية والخيارات الشحيحة التي لا ترضي الأغلبية وبالتالي تجعل الفرد أو الأسرة مجبرة على الرحيل ولو لبضعة أيام لمكان يستطيع أن يستنشق فيه هواء تعددية الاختيار بسلام. السؤال الذي يقلقني دائماً ويزعج الكثيرين هو أن أرقام السياحة الخارجية في ازدياد والسعوديون يشتكون من أن ما يريدونه ليس موجودا في السعودية؛ وأن كثيراً من خطط هيئة السياحة – برأي البعض – في مجال ورغبة السعوديين في مجال آخر.. كيف أطلب من فتى يسكن الجوف وأمضى جل عمره في منطقة صحراوية أن يستمتع بعروض الربيع ويذهب إلى رحلة برية، في حين أن الأردن لديها السينما والمسرح والحفلات الغنائية؟! كيف أغُري عائلة تسكن في النعيرية بأن تذهب لشاطئ نصف القمر بمبلغ خيالي ودون خدمات، بينما البحرين أمتع للعائلة وأقل سعراً؟! صديقي يقول لي إن طفلته دائماً ما تقول له: بابا متى تصير مدننا حلوة مثل المدن التي نزورها؟! من المعروف أن المسؤولين دائماً ما يفتتحون احتفالات الإجازات ومن ثاني يوم يغادرون إلى الخارج بحثاً عن الراحة والسياحة الحقيقية ولا يكلفون على أنفسهم حضور آخر يوم من المهرجانات.. أود أن أهمس في عقول قبل آذان مجتمعنا ومسؤولينا بأن ليس كل السعوديين قادرين على السفر للخارج.. افتحوا أبواب (الحرية السعودية) ودعوا الناس تتنفس وتكتشف نفسها فنحن لا نختلف عن الإمارات والبحرين وقطر ثقافة ودينا وحرصا على التقاليد ومع هذا فهم منسجمون بحياتهم ولا يشتكون مثل ما يشتكي أغلب السعوديين.. ارسموا الفرح والبهجة في قلوبنا لكي تصب المبالغ المهاجرة في مصلحة هذا البلد، فالأرقام تؤكد عكس كل توقعاتكم وتقديراتكم..التغيير ضروري والمبادرة واجبة وكلنا ننتظر ننتظر اليوم الذي نجد فيه ما في دبي في القصيم والطائف بدلاً من فتح الرحلات المباشرة لدبي!