انتهت أمس الجمعة أولى جولات محادثات السلام الصعبة الخاصة بسوريا التي استمرت أسبوعاً دون إحراز تقدم نحو إنهاء الصراع هناك ودون أن يؤكد وفد النظام السوري أنه سيعود للمشاركة في الجولة المقبلة بعد عشرة أيام، في الوقت نفسه حمّلت مجموعة أصدقاء سوريا الحكومة مسؤولية عدم إحراز تقدم في الجولة الأولى. وقال وسيط الأممالمتحدة، الأخضر الإبراهيمي، إن وفد المعارضة سيعود في العاشر من فبراير بينما بلغه وفد الحكومة السورية بأنه في حاجة للتشاور مع دمشق قبل تأكيد عودته. وأضاف الإبراهيمي، في مؤتمر صحفي أمس في جنيف بعد ختام الجولة الأولى من المحادثات، أن وفد حكومة دمشق لم يبلغه باعتزامه عدم العودة بل على العكس قال إنه سيعود إلا أنه بحاجة للتشاور مع دمشق. وسعى الإبراهيمي بلا كلل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام في مهمة يصفها ديبلوماسيون بأنها «مستحيلة». وأعد الإبراهيمي قائمة بعشر نقاط بسيطة شعر بأن الجانبين متفقان عليها في المحادثات المعروفة باسم «جنيف-2»، وقال إنه يعتقد أن هناك أساساً مشتركاً أكبر مما يعترف به الطرفان. ولكن لم يتزحزح أي من الجانبين قيد أنملة عن مواقفهما الرئيسة، فالمعارضة تريد أن تركز المحادثات على الحكومة الانتقالية التي تقول إنها ستبعد الأسد عن السلطة، وتريد الحكومة التركيز على محاربة «الإرهاب» وهي الكلمة التي تستخدمها للإشارة إلى خصومها المسلحين. واعترف الإبراهيمي بأن التقدم بطئ بالفعل لكنه قال إن الطرفين يشاركان على نحو مقبول. وكانت التوقعات محدودة بإحراز تقدم في القضايا السياسية للمحادثات وهي الأولى من نوعها بين ممثلين للرئيس السوري بشارالأسد وخصومه في الحرب الأهلية السورية التي سقط فيها نحو 130 ألف سوري ودفعت ثلث السكان إلى النزوح عن ديارهم. ولم يتمكن الطرفان من تحقيق الأهداف الأكثر تواضعاً مثل التوصل إلى اتفاق على دخول قوافل مساعدات إلى مدينة حمص المحاصرة حيث مازال آلاف المدنيين محاصرين ولا يستطيعون الحصول على الطعام والدواء. وقال الإبراهيمي إنه جرى بحث موضوع حمص بشكل موسع على الرغم من أنه لم يتم إحراز أي تقدم إلى الآن. بدوره، أكد رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أحمد الجربا، حصول المعارضة على «وسائل الدفاع» على الأرض، وقال إن «التسليح سيزداد» حتى التزام النظام السوري بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي. وقال الجربا في كلمة ألقاها أمس بعد انتهاء المفاوضات «ربطنا سلفاً حضورنا جنيف- 2 بتوفير وسائل الدفاع عن شعبنا على الأرض، اطمئنكم بأن تعهدات الدول أصبحت نافذة»، مضيفاً «سيزداد التسليح الدفاعي لثوارنا المدافعين عن عرضنا وكرامتنا كماً ونوعاً حتى يلتزم النظام بحرفية جنيف-1 الذي يمهد إلى تجريد بشار الأسد من كل صلاحياته». واعتبر رئيس الائتلاف أن الوفد الحكومي لم يقدم أي «التزام جدي» في المفاوضاتة، مشدداً على مشاركة المعارضة في الجولة المقبلة التي حُدِّدَت مبدئياً في العاشر من فبراير. وقال الجربا «نعلن لأصدقائنا أنه لا يمكن الحديث عن التزام جدي حصل من قِبَل ممثلي الأسد على الرغم من أننا التزمنا بإنجاح مؤتمر جنيف- 2، ومع هذا فإننا نجدد التزامنا بالعودة إلى جنيف في الجولة الثانية لاستكمال الحل السياسي وعملية انتقال السلطة للشعب السوري». وفي موسكو، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الوزير سيرجي لافروف سيلتقي أحمد الجربا في موسكو يوم 4 فبراير. ونقلت وسائل إعلام روسية عن الأمين العام للائتلاف، بدر جاموس، قوله إنه ورئيس الائتلاف أحمد الجربا سيزوران موسكو يومي 3 و4 فبراير وسيلتقيان سيرجي لافروف لتبادل الآراء حول سير التفاوض في جنيف. في المقابل، أعلن وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، أن المفاوضات لم تحقق «نتائج ملموسة». وقال في مؤتمر صحافي عقده أمس بعد انتهاء جولة المفاوضات «مع الأسف، لم نتوصل إلى نتائج ملموسة». وعزا ذلك لسببين، «الأول عدم نضج وجدية الطرف الآخر وتهديده بنسف الاجتماع أكثر من مرة، والتعنت على موضوع واحد كما لو أننا قادمون لساعة واحدة نسلمهم فيها كل شيء ونذهب». وأضاف «هذا يدل على عدم النضج وعلى الأوهام التي يعيشونها». أما السبب الثاني، فهو «الجو المشحون والمتوتر الذي أرادت الولاياتالمتحدة أن تغلف به اجتماع جنيف وتدخلها السافر في شؤون الاجتماع وتحديداً بتسيير الطرف الآخر وصولاً إلى قرار التسليح» الذي اتخذه الكونغرس الأمريكي. من جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن إن 1870 شخصاً قُتِلُوا في سوريا أثناء المحادثات التي استمرت أسبوعاً منهم 450 مدنياً ولقي 40 حتفهم لعدم القدرة على الحصول على الطعام والدواء في المناطق التي تحاصرها القوات الحكومية. ويقول ديبلوماسيون إنه مع عدم تحقيق تقدم في قضايا الصراع فإن الأولوية الآن تنصب على الاستمرار في المحادثات أملاً في تغير المواقف الجامدة بمرور الوقت. وبدأ أول اجتماع بين الجانبين بكلمات متشددة وبدت المحادثات مرة تلو الأخرى عرضة للانهيار قبل أن تبدأ مما جعل مجرد جلوس الجانبين في غرفة واحدة إنجازاً. واتخذ الجانبان خطوة أولى مترددة إلى الأمام يوم الأربعاء الماضي بالموافقة على وثيقة جرى التوقيع عليها عام 2012 كأساس للمناقشات لكن سرعان ما اتضح أن مواقف الطرفين مازالت متباعدة. وتحدِّد وثيقة عام 2012 التي أصبحت أساس المحادثات مراحل إنهاء الصراع بما في ذلك وقف القتال وتوصيل المساعدات وتشكيل حكومة انتقالية تصر المعارضة وحلفاؤها الغربيون على أن يُستثنَى منها الأسد. وبدأت جلسة التفاوض الأخيرة أمس الأول، الخميس، ببادرة اتفاق نادرةعندما وقف الجانبان دقيقة حداداً على أرواح 130 ألف سوري قُتِلُوا في الصراع. وقال عضو وفد المعارضة السورية في المحادثات، أحمد جقل، إن «الجميع وقف حداداً على أرواح الشهداء، كان ذلك رمزاً طيباً». وتراجعت واشنطن العام الماضي عن خطط للهجوم على سوريا لمعاقبتها على استخدام أسلحة كيماوية. ووافق الأسد في المقابل على تسليم مخزوناته من الغازات السامة وهي عملية معقدة تأخرت عن الجدول الزمني المقرر. وأفيد الأربعاء الماضي بأن سوريا سلمت أقل من 5% من ترسانتها الكيماوية ولن تفي بالمهلة المحددة في الأسبوع المقبل لإرسال ما لديها من مواد سامة إلى الخارج لتدميرها.