لم يلفت انتباهي القادمات من الفتيات الجميلات بالزقاق وسط المدينة القديمة، بقدر ما أدهشني حسن تلك الفتاة التي تمشي الهوينى أمامي، خطى كإيقاع موسيقى هادئة، اتزان في الوقوف والسير وكأنما تلقت تدريباً قاسياً بأشهر كليات الضباط العسكرية، جسد متناسق الأطراف، متناغم الحركة بين الأكتاف والأرداف، وعندما تقف أمام أحد الباعة على طرف الزقاق تنصب نفسها كأعمدة رخام معبد روماني، وتهمس بصوت كالقيثارة، ويتسلل من خلفها مع هبات النسيم عطر هادئ فاخر نادر، الشمس الغاربة أشعتها الصفراء تمتزج بخصلات شعرها الشقراء وكأنما شلال من الذهب ينسكب على كتفيها، كان الباعة يصغون بانتباه تام لأسئلتها، ويلبون طلباتها بسرعة فائقة، وعندما تغادرهم، أجد بعضهم يتنفس الصعداء، ليس من فضول ينتاب رجلاً يرى جمالاً مدبراً مربكاً سوى أن يستعجل المسير ويحاول تجاوز ذلك الكائن الملائكي لينظر إلى وجهه ويحل لغز الصورة غير المكتمل، كنت أتحين الفرصة ليقل الزحام ولأتسلل عن يمينها أو شمالها ثم أكن وجهاً لوجه أمام ملامح هذه الغانية التي لم أرها إلا في ملامح من رأوه، ولكن مهلاً فالبائع الذي تقترب منه يختلف هذه المرة، رجل غليظ جاف الملامح حاد العينين لم يركز عينيه في وجهها بل في أدنى من ذلك، وفجأة تعثرت الفتاة، التقفها قبل أن تقع جذبها بين ذراعيه شدها بقوة إليه. صرخت بأعلى صوتي، ابتعد عنها أيها الوغد، سددت إليه لكمة قوية من يدي، ومع أنها التفتت إليّ لم أرها وأنا في ثورة غضبي وحماقتي!، أفقت بالمستشفى وأنا أسأل من حولي: أين ذهبت الفتاة ؟!!