دعا عدد من المهتمين بالشأن العام إلى تطوير الخطاب الدعوي لأئمة المساجد ومراقبته والعمل على تنقيته من الأفكار الهدامة التي تسيء فهم الدين وقضاياه المهمة وبخاصة على صعيد الجهاد. وقالوا إن تأمين الشباب ضد أفكار بعض الخطباء والدعاة محلياً وخليجياً فضلاً عن بعض الكُتاَّب ليس خياراً بل ضرورة لحمايتهم من التورط في أعمال إرهابية ظناً منهم بأنها من الدين أو أن الدين يحث عليها. وأكدوا أن ما يحدث في سوريا من تناحر بين الفصائل الوطنية والدخيلة هو أمر خطير يشكل بؤرة جذب لبعض العقول الواهمة التي لا تفرق بين الصواب والخطأ، التي يخدعها الخطاب الدعوي المخادع الذي مازال يتدفق بلا قيود ويحقق مآربه. فقد حذَّر عضو مجلس الشورى السعودي رئيس مركز الوسطية، القاضي الدكتور عيسى الغيث، من قيام دعاة من بلدان خليجية وعربية بتحريض الشباب السعودي على الذهاب إلى سوريا والانضمام إلى تنظيمي»داعش» و«جبهة النصرة»، كما حذَّر من جمعهم تبرعات بالملايين داخل السعودية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل غير المرخصة رغم حظر السلطات جمعها. وقال الغيث، وهو قاضٍ في محكمة الاستثمار العربية، وخبير الفقه والقضاء في جامعة الدول العربية، إن أحدهم يأتي من دولة الكويت ويجمع التبرعات بالملايين، متسائلاً لماذا لا يُمنَع من الدخول إلى المملكة ومن جمع التبرعات؟ ولماذا لا يتم توقيفه؟. وأقر بأن هناك أخطاءً كثيرة ينبغي أن نعترف بها، فهؤلاء الذين يسعون إلى تجييش الشباب وتحريضهم على الجهاد في سوريا والانضمام إلى داعش أو النصرة، يعلن بعضهم عبر موقع «تويتر» أن الليلة زواج ابنه أو ما إلى ذلك. وتساءل موجهاً حديثه إلى هؤلاء أنت تحرض وتورط أبناء الناس ليذهبوا إلى سوريا وأنت جالس تزوج ابنك؟ لماذا لا يدع ابنه يذهب إلى سوريا ويتزوج من الحور العين إن كان صادقاً؟ البعض يدعو ويحرّض أبناء الناس للذهاب إلى سوريا وعنده أربع زوجات وعشرات الأولاد. وتطرق الغيث إلى ما يجري حالياً في سوريا، قائلاً اختلفت الموازين وباتت الخطورة تتمثل في إمكانية سيطرة المتطرفين على الحكم في سوريا، الآن في أمريكا والغرب يصدقون بعض أعداء الإسلام كروسيا التي تخوفهم بالإرهابيين، وحتى بعض الدول العربية لم تعد تتعامل مع قضية سوريا بالحماس السابق بسبب داعش. وقدَّر عدد من يدعم داعش بعشرات المشايخ ،عندنا في المملكة أو في الكويت أو قطر وغيرها. واعتبر أن ما وصلنا إليه ليس شيئاً غريباً، وقال كنت أتوقع هذا الأمر، وأنا أقول من الآن ستقع أمور أسوأ مثل ما رأينا في الصور، داعش تأتي بمجاهدين من الجيش الحر وتقتلهم بالسكاكين وتضع الرؤوس فوق الظهور وتلعب بها الكرة، هؤلاء جاءوا بأبناء المملكة وبعض أبناء الدول العربية بزعم أنهم سيجاهدون، وفي المقابل يقتلون أبناء السنة الذين يدافعون عن أعراضهم في سوريا. وقال إن ما يجري الآن نتيجة متوقعة بناءً على خبراتنا في الرصد والتحليل في ملفات أفغانستان والشيشان والبوسنة واليمن والعراق وغيرها، لقد أصبحت لدينا خبرة لنعرف أين تصل هذه الأمور، والآن يتكرر الأمر بالأشخاص نفسها والطريقة نفسها، وحينئذ يجب أن يتحمل كل شخص المسؤولية. وأضاف الدكتور عيسى الغيث قائلاً داعش والمتطرفون يخدمون النظام في سوريا وإيران، وهم يعملون بشكل مباشر أو غير مباشر على ذلك، سواءً كانوا على وعي بذلك أم لا. ورأى أنه ينبغي أن تتخذ الجهات الأمنية الإجراءات اللازمة تجاه هؤلاء الناس، وألا تتركهم يحرضون، فمئات السعوديين ذهبوا إلى هناك بسبب المحرضين ممن يتربعون في قصورهم وبين أهاليهم بل هم في رحلات سياحية في أوروبا وأولادهم مبتعثون في أمريكا، وأما أولاد الناس فيحرضونهم ويغررون بهم للذهاب إلى القاعدة في اليمن والعراق والشام، هذا ما وصل إليه الأمر عندما تُرِكَ عشرات بل مئات في «تويتر» يحرضون شبابنا ويجمعون التبرعات ويجهزون مايسمى بتجنيد المجاهدين. وذكر الغيث أن آخر إحصاء قرأه أفاد بأن أكثر من 300 سعودي قُتِلُوا في سوريا حتى الآن، وأن عدد الذين «نفروا» إلى هناك أضعاف هذا العدد وأغلبهم في صف داعش والنصرة، وتابع قائلاً هؤلاء باتوا يعملون ضد مصلحة الشعب السوري، وهم الذين يتسببون بشكل مباشر أو غير مباشر فيما يقع الآن من قتل في سوريا. لكن الغيث أكمل قائلاً إن الإشكالية أن هناك جهوداً فردية لكوادر منتمية لا سيما إلى تنظيم الإخوان المسلمين في الخليج العربي، تقوم بالتوجيه الفكري لهذا الأمر وتجمع التبرعات، بل إن أحد الإخوان المعروفين بالتجنيد كان يأتي إلى السعودية ويقول على «تويتر» سآتي إلى الرياض وسأذهب غداً إلى المنطقة الشرقية، وهو رجل معروف بتوجهاته ومع ذلك يدخل المملكة ويجمع تبرعات ولم يُتَّخَذ بشأنه أي إجراء، وهذا تقصير أحمِّله للجهات المختصة. وتطرق الغيث إلى «مؤتمر العلماء» الذي عقده التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في القاهرة وأُعلِنَ حينها النفير من أحد فنادق العاصمة المصرية وقيل للشباب إن على الجميع النفير إلى سوريا. وقال حينها قلت: من نصحكم بإعلان الجهاد؟ هل راعيتم الظروف السياسية والمصالح العامة للمسلمين فضلاً عن أهل السنة من السوريين؟ ألم تخالفوا سيادة الدول ومصالحها ؟ بإمكانكم أن تنصروا السوريين دون تصرفات متهورة. واستنكر على مَنْ دعوا إلى النفير أنهم لم يذهبوا إلى سوريا، هم في الفنادق وتركوا أولادنا الصغار يذهبون إلى الخنادق، وهم فقط يتحكمون فيهم من الغرف الفاخرة في الفنادق ومنتجعات أوروبا. وقال أنا أول من أنكر بيان التنظيم العالمي الذي صدر من القاهرة ووقف ضده، وبعد عدة أيام بدأ بعض المشايخ يسحب تأييده للبيان وقالوا إنه متهور غير صحيح. وأصبحت القضية الآن غير محسوبة استراتيجياً. والأسوأ أن «داعش» و«النصرة»، وتحديداً «داعش»، دخلا في مواجهة الثورة السورية ووقفوا ضد الجيش الحر. من جهته قال رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية اللواء الدكتور أنور عشقي، إن كثيراً من العلماء والدعاة والمشايخ لا يفقه في السياسة الدولية، فهم يعتقدون أن ما يحثون عليه فيه خير للمسلمين ولكنهم لايعلمون أن «النيّة الطيّبة دون علم لا تكفي». وأشار عشقي إلى أن هناك نقطتين مهمتين على حد قوله، الأولى عندما أُقفل باب الدعوة فُتحَت أبواب العنف فعلينا أن نَفتح باب الدعوة لتُقفل أبواب العنف. واستشهد عشقي بالسياسة الكندية في هذا الإطار وقال إن كندا فتحت باباً لجماعة الدعوة الاسلامية وهذه الجماعة تقوم حالياً بعمل جبار، الناس هناك انخرطوا فيها بدلاً من الانخراط في الإرهاب. وأصبح لدى جماعة الدعوة الاسلامية في كندا نفوذ داخل الحكومة الكندية. وفي الأسبوع الماضي جاء إليّ أحدهم وكان قد تخرج في الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة وهو غير سعودي وطلب مني أن أقوم بتوجيه الدعوة لابن الرئيس الكندي السابق وأن تكون الدعوة عن طريق مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية. وقال لي هذا الرجل سيصبح رئيساً لكندا في الأشهر القادمة وزيارته ستجعله يخرج بانطباع جيد عن المملكة والإسلام. وضرب لي ذلك الشاب مثلاً وقال سبق أن وجهت الدعوة لرئيس البرلمان في كندا، وعندما جاء إلى المملكة وعاد إلى بلاده كانت التأشيرة قبل زيارته للمملكة تعُطى للطلاب السعوديين في كندا لمدة سنة واحدة وحين عودته فرض على البرلمان الكندي أن يصوت ويوافق على إعطاء الطلاب السعوديين المبتعثين في كندا تأشيرة لمدة خمس سنوات. الأمر الثاني لابد أن تكون هناك توعية للناس وأيضاً توعية للمشايخ أنفسهم. فكثيرمن الدعاة والمشايخ لا يعرفون السياسة الحقيقة، سياسة الدولة، السياسة العالمية، فهم يعتقدون أن حث الشباب على الجهاد في سوريا وغيرها من البلدان، يقربهم إلى الجنة ويبعدهم عن النار، لكنه العكس لأن الله لم يأمر بهذا النوع من الجهاد، نحن أهملنا قراءة السيرة النبوية وأهملنا التوعية الصحيحة للشباب، علماء المنابر وأقصد خطباء الجمعة هؤلاء أكثرهم حصيلتهم العلمية ضعيفة، فلابد أن تكون لديهم القدرة على أن يقنعوا الشباب بعدم التطرف ويقنعونهم بالاعتدال. ويرى المستشار القضائي الخاص والمستشار النفسي للجمعية النفسية في دول الخليج، الشيخ صالح بن سعد اللحيدان أن الذين يحرضون الشباب على الجهاد ويجمعون التبرعات من هنا وهناك دون علم الجهات الرسمية هم أساساً ينقسمون إلى أربعة أقسام، القسم الأول منهم يجهل حقيقة الجهاد وضوابطه وأصوله كما ورد في سورة براءة والأنفال، هاتان السورتان بينتا حقيقة الجهاد وطاعة ولي الأمر ومتى يكون الجهاد وماهي شروطه وأركانه، وهؤلاء يجهلون ماهو الجهاد ولذلك تجده مع «الخيل ياشقرا» كما يقول المثل. أما القسم الثاني وهم ثلة من المدسوسين ويقصدون من وراء الجهاد إثارة الفتنة في داخل الدول نفسها، ويصطادون في الماء العكر، وهؤلاء يحتاجون إلى مقارعة الفكر بالفكر والحجة بالحجة. لذلك ألقي باللائمة على الكُتاب والمثقفين الذين يسبون ويقدحون أحياناً، بينما المطلوب هو التحليل العلمي الجيد المتكئ على الأسس والقواعد. وينتمي للقسم الثالث أناس لديهم نية طيبة، ولكن هناك من يستغلهم. ويشير علم النفس الوظيفي إلى أنه حينما يتشبع اللاشعور بشيء في الطفولة الأولى فإنه عندما يصل إلى سن الطفولة المتأخرة عند الثمانية عشر عاماً يقتنع وينشأ هذا الصغير محباً للتفجير وللقتل لأن لديه قناعة بأن بينه وبين الجنة أن يستشهد فقط، لانه غُسِلَ مخه فيسيولوجياً ثم انتقل إلى الناحية السيكيولوجية، فأصبح هذا الشاب لغماً يسير على الأرض، وفي هذا ألوم على وزارة التربية والتعليم وعلى وزارة الداخلية ووزارة الشؤون الإسلامية ووزارة الثقافة لأن عليهم أن ينتبهوا لهذا الأمر بمعنى أنهم لا يخوفوا الناس من الجهاد بل يعالجون المسألة بعلاج ناجع، علاج إقناعي تحقيقي، لكي يتبين الحق من خلال هذا. أما القسم الرابع فهم أشخاص يعملون في الظلام سواء من دعاة أو كُتاب أو مثقفين. هؤلاء قد يكونوا مفتونين بسبب من الأسباب. ومعلوم أن داعش هي منتمية لإيران والإيرانيون لهم تجارب ولذلك ضبط النبي – صلى الله عليه وسلم – قواعد الدولة بقول «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» فكل من اتقى الله ونظر إلى الناس بعين ورعة ممكن أن يخرج من هذا ولذلك قال تعالى: «إن الله يدافع عن الذين آمنوا» وأنا أتوجه إلى كُتَّاب المقالات في الصحف أن يبسطوا القول على شكل تحليل وتحقيق بعيد عن المفردات السيئة والاستفزاز، فبعض الذين يكتبون الآن تجد أنه لا يرد عليهم أحد، ولا يمكن مناقشة هؤلاء المتطرفين إلا من خلال نخبة عليا من الكُتَّاب والمثقفين الذين يملكون الخلفية العلمية والسياسية والقضائية وعلوم الشرع بما يمكنهم من مقارعة هذا الفكر وهذا التوجه المنحرف بالحجة والدليل والبرهان. من جهته قال العميد السوري المنشق حسام الدين العواك إن الشباب الذين يتم التغرير بهم تحت حجة الجهاد يدخلون إلى سوريا عن طرق تركيا وأن هناك أشخاصاً يستقبلونهم في المطار ويستولون على جوازات سفرهم ويحتفظون بها حتى لا يكشف أحد جنسيتهم، ومن ثم يدفعون لهم مبلغاً بسيطاً من المال ويقومون بإدخالهم إلى الأراضي السورية دون جوازات. وأضاف قائلاً نحن نتابع عمل جهات وأشخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي تقوم بالتغرير بالشباب الخليجي والعربي بحجة الاسلام والنخوة الإسلامية وهذا غير صحيح طبعاً لأنه في الحقيقة نحن لا نحتاج إلى رجال ولا إلى جهاديين ولكن هناك من يستخدم هؤلاء الشباب لتنفيذ أجندات معينة ويغرر بهم فمنهم من قام بتنفيذ عمليات انتحارية راح ضحيتها عديد من المدنيين السوريين، وخلال الأيام القليلة الماضية قام أحد الانتحاريين بتفجير نفسه في مركز قيادي للجيش الحر في منطقة «الباب» في محافظة حلب الغريب أن هؤلاء الشباب هم مسلمون. وتساءل العواك وهو ضابط سابق في المخابرات الجوية السورية قائلاً أي جهاد يحثك على قتل أخيك المسلم ؟ مشيراً إلى أن هناك تناحراً كبيراً يجري في الوقت الحالي بين هؤلاء المنتمين لداعش وبين الجيش الحر في مناطق يسيطر عليها الجيش الحر في الشمال السوري خاصة في عمدان و«تل رفعت» و«إعزاز» كما أنهم بدأوا بالزحف نحو محافظة الرقة وتل أبيض ودير الزور «شرق سوريا» ومازالت المعارك بينهم وبين الجيش الحر، وكذلك بينهم وبين الأهالي مستمرة خاصة بعد اكتشاف عمالتهم للنظام في العراق وإيران ونظام الأسد حتى أن الشعب السوري الآن بدأ يقول نار بشار الأسد ولا جنة هؤلاء الجهاديين الذين أصبحوا يقتلون على الهوية والذين يريدون تطبيق شريعة خاصة بهم لا علاقة لها بالدين الإسلامي.