أدخل جازان بقلبي.. الشعر يقودني إليها ثانية.. وكأنها تعرف أجمل ما أريده من الحياة.. لكنها هذه المرة تضاعف الحب بمهرجاني شعر يتواليان مباشرة. لأني أعرف مدى خجلي عندما أعود من جازان، خجل الممتن لأناس آسري القلوب، وأماكن ممسوسة بالحنين والحنان، لذلك ستصعب علي الكتابة عنها، عند الخروج منها، مثلما حدث لي مرة منذ سنوات… عجزت حينها، فلم يطاوعني القلب على الإشارة إلى مكان تمكنت مني تفاصيله حد الوله.. فالكتابة لم تسعفني، الكلام قصير والحنين ممتد مثل حبل يلف ويلف مثل طوق محكم، كان لا بد أن أنتقي وأشير، ليكفيها الكلام، لا بد من اختصار القول، مما سيترك الكثرة فائضة عن مقدرة المقال والكلمات. لهذا أكتب عن جازان قبيل دخولها، والقلب على مشارفها، يتذكر السمة الناصعة، التي تلمع كلما قيل اسمها، مثل لمعة الشعر، لمعة الحب. أتذكر جبالها ومشاق طلوعها، أتذكر بحرها وهباته المتدفقة، أتذكر نخلها، فاكهتها ولذائذ خصبها، أتذكر أهلها الذين يضعون الضيف في منزلة لا مثيل لها، بلسان منغم بالشعر. لهذا في كل كائن من جازان، شاعر، سيكتشفه يوما ما، ولن يخذله أبدا. أجيء إليها مع ثلة من شعراء ونقاد، من مدن متفرقة بهم، يعيشون قبل جيزان في جزر معزولة، ربما لم يجمعهم الشعر إلا فيها، وكأنها تعرف سمتها الغالبة. كان يمكن أن يثير وجود مهرجانين متواليين، مساحة من الارتباك والقلق، لكن معدن المكان يذوب الاحتكاك الذي عادة وفي مكان آخر يظهر حادا وشرسا، ليمتد الشعر مثل نهر يسيل من مهرجان إلى مهرجان، دون عثرات ولا ما يعكر عذوبته. لهذا اختط كل من المهرجانين، نبعا وجدولا مختلفا ليتدفق النهر في جيزان عميقا ومتآخيا، ذاهبا إلى حلم الشعر الأزلي في تهذيب ملوحة البحر. أن يكون المهرجان الذي يقيمه نادي جازن الأدبي ملتفتا إلى الشعراء الشباب، ومقدما لهم المناخ الذي افتقده كل الشعراء في شبابهم، أن يهيىء لهم الفرصة والتلاقي، ويعرفهم على أقرانهم في مشاركة نادرة الحدوث في بلادنا، ويزرع بينهم قيمة التكريم لقيم الجمال، فتلك سابقة. ويتبعها مباشرة مهرجان لشعراء ونقاد من مختلف الدول العربية ضمن فعاليات جائزة السنوسي الشعرية في دورتها الثانية، بتنظيم مجلس التنمية السياحية في منطقة جازان، حيث يكون الشعر أحد البرامج الرئيسية في مهرجان المنطقة الشتوي. درس تقدمه جازان، لمثيلاتها من مناطق المملكة، مفاده أن الثقافة مهرجان للفرح بين الناس، وليس ابتداعا ما فعلت، فهو نتاج طبيعة المكان وأناسها، لهذا عليك لتكون شاعرا عليك أن تعرف معنى الحب والصداقة، وأفضل وسيلة لهذه المعرفة أن تتخذ لك يوما، صديقا من جازان.