على أيدي النفعيين في أي مجتمع، وأرباب المصالح والماديات، وهواة التدليس والتلبيس وطمس الحقائق، تتعطل دوما مصالح العباد والبلاد، وتتعثر مشروعات التنمية والبناء، آخذين بالعطاء والنماء طريق القهقرى، حتى لو كان أصحاب تلك المنهجية لا يشكلون إلا أقلية من أهالي وسكان مجتمعهم، وتتسع وتتشعب دائرة العراقيل، وتتسعَّر جذوة المزاعم والأباطيل كلما كانت الجهات المسؤولة والمنفذة مناخا مناسبا لتلك الفئات لتحقيق رغباتها، وسوقا رحبا لترويج بضاعتها. وخير مثال يؤكد ويجسد حقيقة ما ذكرناه حينما نستعرض عدد المشروعات التنموية المعلنة التي تم إقرارها قبل أكثر من خمس سنوات تقريبا، ولكنها مع الأسف لم تجد سبيلها إلى النور طوال هذه السنوات بسبب تلك الفئة فروع الوزارات التي ما فتئت تختلق المبررات لمرجعها الأم الوزارة التي تستمع بآذان مصغية وتُصدق كل ما تُصدره تلك الأقليات، بل تقف بقوة ضد الصحافة عندما تسلط الضوء على مكامن الخلل، وتتهمها بالتجني والإثارة، دون أن تُكلف نفسها عناء التحقيق في أسباب عدم تنفيذ أو تعثر ما أنيط بها من مشروعات، ناهيك عن الفساد الذي لن يستقيم حالنا إلا بكشفه وبحث أسبابه بوضوح ودرجة عالية من الشفافية بعيدا عن المجاملات والاعتبارات الشخصية. ولا بأس أن نذكر كل مسؤول بما قاله خادم الحرمين الشريفين بعد إقرار ميزانية العام قبل الماضي «عليكم إخواني إتمامها بجد وإخلاص وسرعة، وعدم التهاون في كل شيء يعوقها، لأن هذه أسمعها أنا من الناس وأحسها بنفسي، بعض المشروعات إلى الآن ما بينت، ضائعة، لكني آمل منكم الذي يجد تقصيرا من أي أحد ومنهم وزير المالية أن يخبرني». فالاعتراف بجوانب القصور ليس عيبا، بل هو العصا السحرية التي تقودنا لتصحيح أخطائنا وتأخذ بأيدينا نحو مستقبل أفضل. فالصحافة لم تكن يوما عدوًا للمسؤول ولا أبرئ نفسي، «إن النفس لأمارة بالسوء»، فمجال الحوار والنقاش حول ما يتم إثارته إعلامياً متاح للجميع، فللمسؤول حق الدفاع عن نفسه إذا ما اتُّهم بالتقصير فقط عندما يتكئ إلى الدليل والبرهان وليس باختلاق المبررات بكل وضوح، والكاتب الذي يمتلك الشجاعة سيبادر بالاعتذار عن أخطائه ويتحمل تبعات ذلك كما أشار كاتبنا علي مكي في مقاله «إنهم يحجبون الحقيقة!». فكوني مسؤولا أو كاتبا لا يعطيني القداسة والتنزيه، وفي الوقت ذاته كوني كذلك لا يعني انسلاخي من آدميتي ونفي بشريتي التي تقودني للخطأ والنسيان معظم الأحيان إلا أن يتغمدني الله برحمته ويتداركني بعطفه فيلهمني الحكمة ويرشدني الصواب قولًا وعملًا.