هبط اللّيل قبل الموعد، وغطّت حِلكته جدران الكون. السكينة تستوطن المكان، والسلام في ركنه المكسور يجفف دمعته، وشذا أنفاسك ينسلّ كالعطر المنسكب من زجاجة هشّمتها يدٌ قبيحة. يا لهذا المساء المختمر بالأحزان! اكتبني على الجدران قصيدة من دموع، واروني حكاية للأطفال، عن صغيرة ترعرت في دفء الأحضان، وارتوت من مصبّ النهر حبّاً فاخضر عشبُ الأرض وتفتّح وردُ الأغصان. حدّثهم عن الأمٍّ التي ألبستها حُللَ العطف، وأهدتها أطيافَ المنى بسمة على الثغر، ورعتها وهي تطارد فراشاتِ الضوء وتلهو بطفولتها على قوس المطر، وتنام وفي يدها الشمس ويرعاها القمر. تكلم أيها الوقت المدججُ بالصمت، وقل إن أمي كانت كالشّمس، حدّث النّاس عن أزاهيرها التي نثرتها في دروب القبح فاستحالت موطناً للجمال. قل لهم إن الزمان جاءها مرغماً وأن الحكمة البيضاء قد جثت بين يديها وقبّلت منها الأقدام. وقل لهم إن عند رحيلها اسودت الشّمس، ونصب القمر خيمة من ضياء، وتهافتت الأنجم تخطّ موكباً لعروجها الأبدي. وحدّثهم كيف بكت السماء، وناحت جبال الأرض، وتهاوت من السماء شهب، وتناثر الغيم فزعاً، وأوت الرياح إلى مضجعها، وكفّت الكواكب عن الدوران. واسألهم، هل لِمتيمٍ في الهوى من برء، أم هل لمجنونٍ أن يكفّ عن الهذيان؟ وهل يُعذر في النّوح من به ولهٌ إذا ما سرق الغياب فؤاده الفرِح وأبدله فيضاً من الأحزان؟ *** «رحل عام 2013 وقد أبى إلا أن يتأبط ذراع أمي. فيا يوم التاسع والعشرين من ديسمبر ما أقبحك..!»