لايعرف الإنسان أرضاً أجمل من أرضه ولا وطناً أرحم من وطنه ولاهواء أنقى من الذي يتنفسه في بيئته غير أن الجرح ليتسع وتسيل دماؤه ويتذوق مرارة الأكدار وقتما تكون أسباب جراحاته الحروب التي تسعى لصالحها قبل صالح الإنسان والتي دفعت بطفل الحرب ليصرخ ويبدي مأساته قائلا: الأحوال بئيسة وبغاة الظلم كسروا نظرتي البريئة وباغتوا بالوحشية قلبي الصغير وبددوا الأمنيات الوردية قبل أن تنبثق وهجروا الطيور من أعشاشها وحجبوا بالاستبداد أشعة الشمس الشارقة واعتصروا من نبضي الآمال اليانعة وأبوا على طفولتي التمدد والابتكار وسلبوني حياة ماكان الله ليسلبها بالقسوة التي سلبوني إياها بها ومهما تكن نوازل الله قاصمة ومهما تكن طوارق ليله فاجعة إلا وفي أخذه رحمة نسائمها بين الأضلاع حائمة فأنتم ياجنود الظلم سارعتم لاغتيال ضحكتي وحرمتموني أحضان أمي وأبي وهشمتم سريري وصورتي وصادرتم فناء منزلي وغرفتي واقتلعتم الأشجار وهويتي وقطعتم نسبي وحبائل أرجوحتي وهدمتم عالمي و جدار منزلي واحرقتم سجادتي وكتبي وقصفتم جادة دربي ومدرستي وحارت دمعاتي على أي شيء تتحدر؛ أعلى أمي وأبي وجدي المقعد وإخوتي المبعثرين والقرابة الممزقة والأرزاق المعطلة والدوائر المتوقفة ومعالم وطني المشوهه؟ أم على زجاجات الحليب المنسكب ولعبتي التي إنهال عليها وابل الرصاص واخترق صدرها وكأنها خطيئة وجد فيها بغضكم متنفساللحقد والانتقام فلم تسلم! أنا طفل من بلد الحروب والتشريد أغمض الأجفان على خوف وافتحها على قلق وأنام نوم المعذبين وأحلم بالموت والأشلاء وأتجرع الماء بكدر وابتلع الطعام على عجل وافترش الأحراش ولحافي الشمس والقمر وليلي بكاء ثم بكاء ثم يأس وألم وأتلمس الهناء والهدوء لكن أين الهدوء والإنسان يقتل الإنسان والضعيف ينشد (أين المفر)؟!