لو عُدتَ إلى المواضيعِ التي تناولها الكُتَّابُ والصحفيون، وقارنتها بما حدثَ من تغييرٍ، وما طرأ من تقدم، لما عُدتَ بغيرِ اليأسِ والخيبة، ومن اعتقدَ أني متشائمٌ أو مغالٍ فليخبرني عن عددِ القضايا التي أثُيرت في وسائلِ الإعلامِ فتم إصلاحُها، أو فليذكرني بعددِ المسؤولين الذين أُقِيلوا بسببِ خبرٍ أو مقال، ائتوني بمسؤولٍ واحدٍ اعترفَ بتقصيره أو استقال، أوجِدُوا مسؤولاً ردَّ على انتقادٍ لوزارتِه بشكلٍ مقنع، أتحدى أن تجدوا مسؤولاً كبيراً ردَّ – أي رد – على تساؤلٍ من أحدِ الكُتَّاب، حتى لو كان رده مسلياً أو من النوعِ الذي لا يضرُ أحداً، ولا يصدقُه أحد، حتى المسؤول نفسه، لذا أرجوكم لا تلوموني فيما لو أخبرتكم بشعوري أنَّ الإصلاحَ أبعدُ مما كنت أتوقعُ وأصعبُ مما كنتُ أظن، حتى إنَّك لتأسفَ لِمَا كُتِبَ من كلماتٍ وما صِيغَ من عباراتٍ وما طُبع من مطبوعات، ما دامت النتيجةُ هي هي، فالصحافةُ تتحدثُ عن أشياء، وبعض المسؤولين يتحدثون عن أشياء أخرى مخالفةً لها تماماً، بل ما زالت الصحافةُ تتحدثُ بلغةِ الاستجداءِ وتطييبِ الخواطر وأنَّ المسؤولَ لا يعرف!، فيما بعضُ المسؤولين قد اختطفَ قطاعاتٍ خدميةً مهمة، وصار يتصرفُ بها كيف يشاء؛ كما لو أنها داخلةٌ في أملاكِه الخاصةِ، فيعزلُ من يشاءُ ويعيِّنُ من يشاء، ويُجزلُ لمن يشاء من العطايا والهبات، حتى ما عُدنا نُميزُ بين وزارةِ المسؤولِ ومزرعةِ المسؤول، وما عُدنا نُفرِّقُ بين ما نطلبُه كحقٍ وما نستجديه كأُعطية، فكلُ ما نرغبُ فيه مرغوبٌ عنه، وكل ما نرغبُ عنه مرغوبٌ فيه، وكلُ المطالباتِ ليس هذا وقتُها، وما أكثر ما تُربطُ بأشياء لا علاقةَ لها بها على الإطلاق، حتى إنَّك لتخشى أن تقولَ شيئاً فيُفهَمُ على أنَّه شيءٌ آخر، وغالباً ما يتم تزييفُ الحقائق على وضوحِها عن قصد!، فكُل من يقولُ شيئاً في صالحِ الوطنِ وُصِفَ بأنه محرضٌ أو مخرِّب!، حتى إنَّك لتشعرَ أنَّ الصحافة ما وُجِدَت إلا ليعملَ المسؤولُ ضدها، وليست المشكلةُ في أنَّ المسؤولين لا يتعاملون مع ما يُكتَبُ بشكلٍ جاد، أو لأنهم لا يرُدون على ما يُثَارُ حولهم من شبهات، بقدرِ ما أنَّهم يتجاهلون الصحافةَ بشكل تام، ولا يقولون أي شيء، كما لو أنَّ أحوالَ الناسِ لا تعنيهم، هذا على افتراضِ أنَّهم يقرأون، ولست مضطراً لأن أدللَ على ما أقول، فقد باتت العمليةُ مملةً جداً وواضحةً جداً، والشيءُ إذا شاعَ لا يحتاجُ إلى دليل. أرجو من الإخوَّةِ القُرَّاء ألا يتفاءلوا كثيراً بحلِ مشكلاتِهم بمجردِ أن تصِلَ إلى وسائلِ الإعلام، فشعارُ أنَّ (الصحافةَ سلطةٌ رابعةٌ) ليس إلا كذبة كبرى انخدعَ بها كثيرون أمثالي، فهي قد تَصِحُّ في بعض الأمكنة، لكنًّها لا تصِحُّ في كُلِ الأمكنة، وألا يعتقدوا أنَّ كلَ وسائلِ الإعلامِ (فرانس أنتر)، تلك الإذاعةُ التي لولاها ما كانت لتنجحَ خطةُ الهروبِ الشهيرةِ لعائلةِ أو فقير، إذ إنَّ الهاربين بمجردِ أن اتصَلوا بها أُسدِلَ الستارُ على قصةٍ طويلةٍ من العذابِ والضياعِ والتشردِ، فنُقِلَت العائلةُ المنكوبةُ من السجنِ المُظلمِ القَذِرِ الصامتِ إلا من صوتِ الوطاويط، إلى سجنٍ أشبه ما يكونُ بفندقِ « 5 نجوم»!، وإنَّ مقارنةً كهذه المقارنةِ تبدو محبطةً بشكلٍ كبير، كما أنَّها ستقودُ إلى تحميلِ وسائل إعلامِنا أكثرَ مما تتحمل، راجياً التعاملَ مع الصحافةِ السعوديةِ بوجهٍ خاص على أنَّها (نائحةٌ مستأجرةٌ)، فالصحفيون لا يحلُّون مشكلتك بقدرِ ما أنَّهم ينوحون معك، وينحصرُ دورُهم في رفعِ عقيرتِهم بالصياحِ إلى أن يُسمِعوا مَن به صممُ، معتمدين على أقصى درجاتِ اللباقةِ في الكلامِ، والأدبِ في التخاطبِ والدعاءِ للمسؤولِ بأن يُكثَّر اللهُ من أمثاله، وافتراضِ أنَّ ما يحدثُ من أخطاءٍ ليس له دخلٌ فيها؛ لأنه لا يدري!، لكنَّ ذلك لا يعني أن مشكلتَك ستُحَل، ليس لصعوبتِها أو لاستعصاءِ حلِها، لكن لأنَّ المسؤولَ لم يُفكِر في الحلِّ أصلاً، فهو لم يشعُر بعد بواجبِه تجاهك، ومازال يتعاملُ معك على أنَّك شخصٌ لا يعجبُه العجبُ ولا الصيام في رجب، فهو غيرُ مضطرٍ لأن يبررَ لك ملياراتِ الريالاتِ المهدرة، ولا التنميةَ القائمةَ على غيرِ أساسِ واضح، فمن أنت لتسألَه عن الضوابِط والمعايير، أو تطالبُه بتطبيقِ القوانينِ والأنظمة؟!، فما عليك إلا أن تحمدَ اللهَ عليه، وإذا لم يعجبك فأرضُ اللهُ واسعة!.