«وسائل إعلامنا صمتت قبل وأثناء الكارثة ولم ترفع عقيرتها ويعلو صياحها إلا بعد صدور الأمر الملكي والتأكيد على ذلك راجع هذه الصحف الورقية بينما الصحافة الإلكترونية كانت أسبق وواكبت وتحدثت عن الفساد في حينه لا لأنها تملك وقتها ولكن على الأقل روح الشباب الذين يعملون فيها». كان هذا نص رسالة (sms) وردت إلي من الاستاذ عبد العزيز بن زيد الداوود من الرياض تعقيبا على ما كتبته في هذه الصفحة في الأسبوع المنصرم، والحق أن الكثير من رسائل القراء تثير عددا من القضايا، أو على الأقل فإنها تضئ زوايا معتمة من قضايا نحاول طرحها في «عكاظ»، وتكشف عن مناطق ينبغي أن نبحث فيها، وفقا لمنهج «عكاظ» في شفافية التصدي للقضايا الوطنية. وقد لاحظت، من خلال ردود أفعال القراء على ما يطرح هنا، أن بعضهم يذهب إلى أبعد مما يريد الكاتب أن يذهب، وأعتقد أن ذلك يرجع إلى القارئ الذي يتمتع بحرية التعبير عن نفسه بأكثر مما هو متاح للكاتب الذي تقيده اعتبارات، منها ما هو أدبي، ومنها ما هو قانوني، ومنها ما يتصل بسياسة إدارة الصحيفة. ولكن ما لفت نظري في مداخلة القارئ الكريم هو مقارنته بين أداء الصحف المقروءة والالكترونيه إزاء حدث واحد وهو كارثة السيول في جدة. ولا أتعرض الآن للكارثة بقدر ما أتعرض لأداء الوسيلتين الإعلاميتين. وإذا كنت أتفق مع القارئ في أن الصحف الورقية، كما أسماها في رسالته، كانت أقل تفاعلا مع الحدث قبل صدور الأمر الملكي بتشكيل لجنه للتحقيق والمحاسبة وأن المواقع والصحف الإلكترونية كانت هي الأكثر جرأة وتفاعلا ومبادرة في التعاطي مع الكارثة، إلا أنني أختلف معه في جزئية ربما بدت أسبابها واضحة فيما سقته وقلته في بداية هذا المقال. أختلف في الآتي: إن روح الشباب في الصحافة الورقية لم تكن أقل توثبا ووطنية من روح إخوانهم في الصحافة الإلكترونية، وذلك لسبب بسيط، وهو، أن أولئك يعملون في «مؤسسات» تحكمها نظم وقوانين، بينما هؤلاء متحررون من كل قيد، فهم أقرب إلى القراء الذين يعلقون على الأخبار والتقارير الصحافية وأعمدة الرأي في الصحف، ولا يقيدهم شيء في إبداء رأيهم، إلا أن الصحافي في الصحف الورقية تقيده عدة قيود، وأكاد أقول إنها من صميم «الحرفية». ولكنك تجد من ناحية أخرى بأن سلطات الدولة تتدخل فيما «يجب» و «ما لايجب»، وهي تطالب الصحافي «الورقي»، طالما هي تمنحه «التصديق» بالإصدار، بالالتزام بروايتها هي للحدث، حتى ولو أطل هو على واقع يختلف. وأعتقد أن هنا بالتحديد يكمن مأزق الصحافة الورقية ما بين حرصها على «الحرفية» والشفافية، وما بين دورها الرقابي الحر.. أنت، وأنا، وكثيرون غيرنا قرؤوا عن أخبار وتقارير تشير إلى أوجه من القصور في أداء بعض أجهزة الدولة والمؤسسات الخاصة يرد المسؤولون عليها بعبارة صارت من «المحفوظات» تفيد بأنه كان على الصحافي أو الكاتب الرجوع إلى «مصدر» المعلومة، ويعني هذا الرجوع إلى المسؤول نفسه، والذي في النهاية لن يفعل سوى نفي الخبر أو الرأي. وهنا تقع كل من الشفافية والحرفية في مأزق. الصحافي الإلكتروني معفي من التورط في هذه المشكلة لأن صحيفته «أثيرية»، ولا تحتاج إلى إذن من صاحب القرار والمسؤول، ولكن صاحبنا الورقي هو المتورط في هذه المشكلة. إذن ما الحل؟ كيف نوفر لصاحبنا المتورط هذا أن يحل عقدة هذه المعادلة؟. أعتقد أن الحل يكمن في أن نفتح للورقي المزيد من آفاق الحرية للتعبير عن الواقع. فالصحافة لا ينبغي أن تكون بوقا يردد ما يريد المسؤول أن يقوله. كما أنها لاينبغي أن تكون ببغاء يردد ما يريد أن يقول معارضوه. الصحافة ينبغي أن تكون مرآة تعكس الواقع. «الواقع» هو الحكم الفيصل. * أكاديمي وكاتب سعودي www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة