السعودي الذي تباكى على نيلسون مانديلا بصفته المناضل ورمز محاربة العنصرية، هو ذاته الذي يطرب لأبي الطيب المتنبي وهو يُنشد (لا تشتري العبد إلا والعصا معه) والعبد هُنا هو صاحب اللون الأسود سواء كان والياً أو مملوكاً، أما الشطر الثاني لهذا البيت فقد أضاف التعميم المقيت إلى العنصرية الأكثر مقتاً (إن العبيد لأنجاس مناكيد)، بالرغم أن المؤرخين وصفوا كافور بأنه حاكم عادل، إلا أن العنصري المتنبي كان أعلى صوتا من المؤرخين، ربما سنبري كثيرا للدفاع عن المتنبي لأن سياق القصيدة التي ورد بها هذا البيت وظروفها وغرضها، وغير ذلك من المبررات التي تحاول أن تسترضي كافوراً ولا تغضب أبا الطيب! *** ربما تختصر الطُّرفة التي تداولها الشارع في اليومين الماضيين شيئا من انفصامنا، إذ تقول الطُرفة إن شابا أخبر أصدقاءه عن وفاة نيلسون مانديلا أعظم مناهض للعنصرية، فلما سألوه مَن مانديلا هذا أجاب (ياشيخ العبد حق أفريقيا)! فالشخصية السعودية (الجديدة) إن صحّت التسمية تجيد النقد الساخر بحرفية عميقة، والسخرية في أغلب أحيانها صادقة تتخذ من التورية غطاء حيث تُوصِل رسالتها بعيداً عن تجهّم الحدة وصرامة الجديّة، فنحن وإن ادعينا المثالية لكننا عنصريون بالتنشئة، نعم نحفظ كثيرا من الآيات والأحاديث التي تنبذ العنصرية، ليس باللون فقط، ولكن لدينا مقاييس متنوعة للعنصرية، ولعلنا كلنا نذكر حكايات (عدم تكافؤ النسب) التي تطل برأسها الكريه بين كل فينة وأُخرى! *** فتّشوا في زوايا المدينة، ابحثوا معي عن «السعودي الأسود»، لن تجدوه في الهيئات التي تضم النخب، نادوه كما اعتدتم أن تفعلوا عندما تغضبون منه، وعندما تسخرون منه، ربما سمع مراثينا بمانديلا، وتجريمنا لعنصرية المتنبي، لهذا قد يغضب من مناداتنا «العنصرية» له وسنستغرب ونندهش: (ماغلطنا عليك يال..)! وكي لا أظلم أحدا واحدة: لا نستخدم كلمة «العبد» كثيراً، بل نستخدم مرادفة شائعة لها وهي «الخال»، وهنا تنتهي هذه المساحة «البيضاء» قبل أن أتكلم عن إيحاء هذه الكلمة، فلنتركها بين هضبتي المجاز والتورية قبل أن نُعيدها إلى سيرتها وسريرتها الأولى!