أنا في خصومة هالكة تفسد كل لحظات الخلوة.. أسمع صوتاً قادماً من حيث لا أعلم.. خطواته المتهاودة تقبع حيث أجلس، صوته الموؤود في هدأة الليل يفزعني، صوت يصور كل تحركاتي بشفافية، ويلتقط كل ملامحي وصوري المجنونة. كم هي صور بشعة تسحق ذاكرتي وصور رائعة تقبع في ذاكرتي المجعدة.. صوت يخترق جوف قلبي الرطب ويتسلل لذكرياتي القديمة ويفتح البوابة التي طالما كنت أخشى الاقتراب منها.. وتنبعث كل الأصوات التي كنت أردمها خلال عمري.. صوت يهاجم داخلي صوت ضميري الذي يطمئنني ويمنحني السكينة حينما تتوافق خطواتي معه وتنسجم مع الفطرة. ولكن الويل كل الويل عندما يميل قلبي وتنحرف خطواتي، عندها يعلو هذا الصوت ليمزق أوردتي ويكتم أنفاسي ويهتز قلبي ويتسع في داخلي حزن مخيف وتأنيب مرير فأشعر بالشفقة على نفسي وتراودني رغبة في البكاء.. أرجوك يا ضميري كف عني.. ربما أشعر وكأنني أود الهرب من داخلي، وودت لو أن روحي تفرّ من بين أصابعي وأبدأ في البكاء. يكبر هذا الضمير ليصبح حكماً بيني وبين شهواتي فيسد كل الأبواب، ويلجم كل الشهوات، وأجتر لحظاتي، وأرمي ورائي كل أثر يعيدني إلى الوراء، وأعترف بأن ضميري هو قراري فأهدأ وأهدأ وأسمع وقع خطواته.. ها أنت يا ضميري تسكن حيث يقبع قلبي مشرعاً نحوك فيئن ضميري (ربي يراني) كلمة أحبها وأرددها صبح مساء، وأنا بين أبنائي، وبين أصحابي، وفي مضجعي، وحتى في قاعة الدرس! يا ضميري لا تشتد عليّ فجسدي كله ثقوب لا يحتمل تأنيبك ولا تمضي عني حتى لا أمارس الجريمة والكبت لأي هزة ريح.. يا ضميري لا تمت فتشمت بي العدو، وتعيرني الجارات فيسقط مني الأصدقاء وينفر مني الحبيب.. يا ضميري كن لي كما أنا لك، وكن لي كما قال الله تعالى: (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا).