نجح الربيع العربي في أن يذيب الفوارق بين رغبات الشعوب ومن يتولون مقاليد الحكم في البلاد، فسحبت من الرئيس سلطة أبوية يطلق فيها يده بأوامر واجبة، تخضع في حالة عدم تنفيذها لعقاب المعارضين. كسر المارد الديمقراطي العربي القمقم، وخرج إلى الشارع بفتونة ثورية ليطيح بأنظمة فاسدة، عمدت إلى الإبقاء على سلطانها، وهي تقدم سلسلة طويلة من تنازلات جعلت بلدانها في وضع الركوع أمام البيت الأبيض. إرضاء الدولة العبرية، وعقد صفقات سرية تدعم الكيان الصهيوني في ممارساته الدموية ضد الأشقاء في فلسطين، سياسة لن يكون لها وجود في المستقبل. والولايات المتحدةالأمريكية التي استخدمت إسرائيل كورقة ضغط على الحكام في الماضي، ستدرك غداً أن إسرائيل نفسها هي يدها المصابة التي ستجعلها تصرخ من الألم حين تقرر الشعوب العربية الإمساك بها من كل جانب. فإذا كانت أمريكا ملتزمة بحماية اليهود في الأرض المحتلة فعليها أن تسير في خطين متوازيين للإبقاء على هذا الطموح، أولهما: عدم دس أنفها في وضع السياسة الخارجية للعرب، وثانيهما: الإسراع في العمل على بدء مفاوضات مباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، تنتهي بإعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وإقامتها على حدود 67 حسب المبادرة السعودية التي أقرتها القمة العربية في بيروت 2002. نفاد الوقت وتراخي البيت الأبيض انتظاراً لاستقرار الأوضاع في بلدان الثورات العربية، يعد غباء سياسياً ستدفع فاتورته إسرائيل بمفردها، خاصة أن الشباب العرب الذين استطاعوا تغيير الأنظمة المستبدة، ينتظرون بفارغ الصبر يوماً تهدأ فيه الأمور في بلادهم ليتشاركوا في ثورة واحدة تطيح بإسرائيل بوصفها النظام الأكثر استبداداً، وعانت منه كل شعوبهم العربية. ولو أضفنا للصورة صعود التيار الإسلامي للحكم في أوطاننا العربية، ومدى العلاقة الوطيدة التي تربط بينه وبين حماس، التي لا تعترف بالأساس بالوجود الصهيوني سندرك تنوع الأخطار التي تحدق بالدولة العبرية وتهدد بزوالها من الوجود. حرب مقبلة لا محالة يعرف الإسرائيليون أنها ستكون الأعنف، ويؤمن الأمريكيون أنهم لن يستطيعوا حينها الوقوف أمام إجماع عربي من شأنه أن يثقب رئة الشرق الأوسط التي تتنفس بها مصالحهم. وأظن أن سقوط نظام بشار الأسد وإعلان الحرية في سورية سيكون بداية النهاية للدولة العبرية، بينما يعني انحياز الجانب الأمريكي للشعب السوري بالتدخل المباشر في الإطاحة بحكم الأسد عن طريق استخدام القوة العسكرية حيلة ربما يلجأ إليها الكاوبوي لإجهاض التحالف الثوري العربي من ناحية، وتهديد إيران من ناحية أخرى. إن القرار الأمريكي (المتوقع) باستعمال السلاح ضد بشار يجعل من سورية أرضاً مرشحة لتجربة حرب بين إيران والولايات المتحدة تطمح فيها الأخيرة إلى إعلان تفوقها السياسي والظهور بمظهر المدافع عن حق الشعوب في الحرية، وتقديم إيران للعالم كشيطان لابد من تدمير قوته والقضاء على طموحه النووى. سورية هي خيار المارينز للإبقاء على الوجود الإسرائيلي للأبد، والأسد بتعامله الدموي، وقتله للعشرات يومياً إنما يفتح لهم الأبواب ويعطيهم الفرصة كاملة.