في السبعينيات من القرن الماضي أرسل المغفور له الملك فيصل وفداً كبيراً برئاسة وزير العدل آنذاك الشيخ محمد الحركان لزيارة الفاتيكان وذلك لإيجاد حوار مسيحي - إسلامي يفتح النوافذ لزيارات أخرى؛ حيث قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بتاريخ 6/11/2007 بلقاء مع البابا «بنديكتوس» وقبل ذلك زار المغفور له الأمير سلطان بن عبدالعزيز الفاتيكان، ثم سمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، أي أن المملكة سباقة في إيجاد تقارب مع أعلى مركز مسيحي لاستمرار الحوار ونبذ العداء التاريخي الموروث منذ عصور الحروب الدينية، ومضاعفات العداء بين الأديان التوحيدية، حتى إن الملك عبدالله هو صاحب مشروع حوار الأديان والمذاهب وتأسيس مراكز لهذه الغاية، خاصة أمام طوفان التطرف والعنف والذي لحق المسيحيين بالمشرق العربي، كما نال الجاليات الإسلامية أو المسلمين الأصليين في بلدان مسيحية أو أتباع ديانات أخرى، وحين تأتي اللقاءات من أهم قاعدتين للديانتين فإن الهدف هو الوصول إلى سلام شامل يلغي قطيعة تاريخية طويلة، ويؤسس لعالم آخر للتعايش الذي تحتاجه البشرية أمام التفسخ الأخلاقي ومضاعفات الإلحاد وخاصة في أوروبا.. وكمجاراة لتلك الخطوات وغيرها في سبيل تضييق الهوة بين الأديان رأينا وقرأنا تصريحاً لقس بريطاني يقترح قراءة القرآن الكريم بمراسم تتويج ملك بريطاني، وصادف بنفس التوقيت الزمني أن صلى بابا الفاتيكان الراهن بالمسجد الأزرق في تركيا.. والحقيقة أن هذه الخطوات، وإن لم تصل إلى ذروتها في التواصل وإلغاء حدود الخلافات والعداوات التاريخية، فهي مقدمات لسلوك جديد يضعنا أمام مرحلة قد تجعل التقارب ضرورة طالما هناك قواسم مشتركة تفرض على الجميع رفع مستوى العلاقات لما يخدم ليس فقط القيادات الدينية وإنما يرفعها لتكون مصدراً لوقف الهجمات المتبادلة من جماعات تلتقي عند عبادة الله وحده.. هذه التحركات ستواجه من طرفيْ الحوار واللقاءات بعناصر ترفض أي خطوة في الاتجاه الإيجابي، لكن ذلك لا يعني إجماعاً على الرفض، لكن ما يهم هو كيف نصل إلى قيمة مضافة تؤكد نبذ تلك القطيعة في وقت نعرف أن الإسلام هو من اعترف بنبوة موسى وعيسى ورفعهما إلى مستوى القداسة، وتحريم التعرض لهما بأي تجريح أو سب، وهو ما يجب أن يقابل بذات القيمة من اليهود والنصارى إذا ماعلمنا أن العالم يتسع للتسامح والعيش مهما كان معتقد الشعوب والجماعات.. لقد اجتاز العالم مراحل هددت وجوده الاجتماعي والديني، غير أن الرغبة في السلام، ووجود مبدأ الخير عند الإنسان ونبذ الشر مهما كانت دواعيه ومصادره، أوجدت مبادئ تداولتها المراجع الدينية الكبرى، مثل رفض الاعتداء، والقتل الحرام ومكافحة الفقر وانتشار أسلحة الدمار الشامل وتدمير المقدسات الدينية، وهي معايير ترتفع إلى مستوى المثل العليا التي دعت لها تلك الأديان، ولعل التطور الحضاري الجديد، وزوال الحواجز الجغرافية وأبعادها، وتطور المفاهيم وتلاقي الثقافات بين الشعوب والأمم تفرض أن تتعايش الأمم بدلاً من دعوات إيقاظ الصراعات الدينية والحضارية طالما الجميع يعيش على كوكب يحتاج رعاية من كل البشر.. الخطوات التي جرت خلال السنوات الماضية، وهذه الأيام، قد تدفع بالتواصل وإلغاء الحواجز إذا كان الإيمان هو المصدر الأساسي للتقارب وفهم قدسية وحرية كل دين بأن تمارَس عباداته بدون نفي أو تشكيك بالآخر، على أن تكون الفرص متاحة للجميع لسنّ قوانين احترام الأديان وحمايتها.. لمراسلة الكاتب: [email protected]