إذا كانت اللياقة البدنية تُعدّ ركيزة أساس في صحة الجسم وتمكنه من ممارسة حياته بدون إرهاق، وقدرته على مواجهة الإجهاد الجسدي والعمل دون أضرار سلبية؛ فإن الرياضة النفسية أهم وأولى. وأعني باللياقة النفسية تحقيق مستوى عالٍ من الصحة النفسية يُمكِّن صاحبه من العيش براحة وهدوء ورضى، ويساعده على مواجهة الظروف والمواقف والأشخاص بأعلى مستوى من الجودة وأقل جهد وأسرع وقت. فالصحة النفسية مؤشر عالمي على قدرة الفرد على التعايش مع مختلف المستجدات والضغوط دون التعرض لانتكاسات نفسية أو حالات من القلق، الاكتئاب والعجز النفسي عن التعامل مع مواقف الحياة المتباينة. إن اللياقة النفسية قاعدة أساسية لكل إنسان؛ ولكن أكثر الناس حاجة لها أولئك الذي يعملون في مؤسسات حل المشكلات ودور الشؤون الاجتماعية، ومراكز الرعاية التأديبية، والسجون، والمستشفيات ومسؤلو العلاقات العامة وكافة الوظائف التي تتطلب مواجهة الجمهور والتعامل مع شرائح المجتمع المختلفة. وتزداد نسبة الحاجة للياقة النفسية إذا كان الجمهور الذي يُتعامل معه: كهلاً، مريضاً، أو من ذوي الإمكانات الخاصة والصغار.. ذلك أن التعامل معها يستدعي طاقة تحمل أكبر، استيعاب أكثر، مرونة ورحمة. إن أهم ما يعين على الوصول إلى قمة اللياقة النفسية هو أن يحسن الإنسان علاقته بالله تعالى محافظاً على الأوامر مجتنباً النواهي فذلك أدعى أن يكون مَن هذا شأنه طيّب النفس زاكي الروح، حسن الأخلاق لطيف المعشر. كما أن العلاقة الراقية بالآخرين وعلى رأسهم الوالدان تعطي صاحبها نفسية رائعة يلحظها كثيرون ممن يتعاملون معه. وفي شريعتنا الغراء لم تقتصر منطلقات تحقيق اللياقة النفسية على البشر بل امتدت لتشمل الكائنات الحية فتدخل امرأة الجنة لأنها سقت كلباً! وينزل نبي الرحمة من منبر الجمعة ليحتضن جذع شجرة حنّ إليه صلى الله عليه وسلم بعد أن اتخذ منبراً يخطب عليه! وتشعبت لتشمل الجمادات فجعل إماطة الأذى عن الطريق صدقة وأمر بإعطاء الطريق حقه، كما أكد على أن الناس شركاء في ثلاث: الماء، الكلأ والنار! هذه المسائل ونظيراتها ترفع مستوى اللياقة النفسية ليتمكن الإنسان من استيعاب أكبر قدر ممكن من المواقف والأشخاص والظروف، ويتعامل معها بمستوى عالٍ من الرقي والأدب وجميل الأخلاق. ولا ينقص عنده مستوى الأكسجين النفسي إذا تعرضت أجواؤه لعواصف ترابية أو رعدية!! إن اللياقة النفسية تزيد نسبة القدرة على التعامل مع المخالف وهو أمر نحتاجه في أسرنا ومدارسنا وأسواقنا وشوارعنا وإعلامنا فاحترام الآخرين لا يعني تقبل كل مالديهم ولكن استيعاب مالديهم على المثل السائر: ان اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية! فكل من لم يخالف شرعاً ولا عقلاً يمكن التعامل معه بمرونة ما لم يترتب على ذلك ضرر! وإذا ما استدعى الأمر التعامل خارج هذا الإطار كانت الحكمة رأس الأمر في التعامل، والقاعدة الثابتة: (ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى). إن صاحب اللياقة النفسية يشعر -غالباً- بالرضى والسعادة والراحة. وتتميز علاقاته الاجتماعية بإيجابية عالية، ويستبشر به الآخرون ويفرح هو بهم! ولهذا نحن بحاجة ماسة على مستوى الأفراد والمؤسسات أن نعطي هذا الأمر أولوية في الدورات التدريبية والتعاملات الشخصية والامتيازات المهنية؛ لنحقق بإذن الله تعالى صحة نفسية أسرية ومجتمعية تكون طريقاً للوصول للأهداف وتعزيز الإيجابية في المجتمعات البشرية.