دخول الكتائبي العتيق (نائب رئيس حزب الكتائب سابقاً) جوزيف أبي خليل إلى مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين أمس، طغى على الحدث الذي نظمته جمعية «الإخوة للعمل الثقافي الاجتماعي» تحت عنوان «الذاكرة والمصالحة في العلاقات اللبنانية - الفلسطينية»، وكل ما عدا ذلك، بدا تكراراً لكلام قيل على مدى سنوات ورفعت به مطالب وسطرت من أجله مئات البيانات ونظمت عشرات الاعتصامات. إنها مفارقة صعبة بين ما تختزنه الذاكرة من مآس لبنانية ارتكبت بحق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبين مصالحة شكك معظم المشاركين في يوم الحوار الطويل بتحقيقها. الحوار أقيم في قاعة كان الدخول إليها أشبه بالمرور بدهاليز لكثرة السلالم الالتفافية والعتبات التي تودي إلى أكثر من اتجاه. فالمبنى الذي تتخذه الجمعية مقراً لها عبارة عن غرف ضيقة بنيت فوق بعضها بعضاً أو تمددت أفقياً لتفتح على غرف أخرى وجاءت قاعة المحاضرات في الطبقة الأخيرة أي في المدى الذي يتجاوز ما تسمح به الدولة اللبنانية للفلسطينيين بتشييد منازلهم في المخيمات. إنه الأمر الواقع الذي أنتجته الحرب التي عصفت بلبنان ومنها المخيمات، على أن مخيم برج البراجنة الذي يقع ضمن حدود بيروت الكبرى، من المخيمات الأكثر كثافة سكانية فلسطينياً والذي جرى التوافق فيه على تحييده وتصالحه مع محيطه. قال أبو خليل انه كان سيعتذر عن عدم المشاركة في الجلسة «لأن لا مبرر لها، فالذاكرة مليئة بالشوائب وليست ذكريات جميلة، وإذا لم نطرح المشكلة كما هي فالتاريخ سيعيد نفسه، وكتاب التاريخ في لبنان هو لتدوير الزوايا بدل الإشارة إلى الأخطاء بالإصبع والاعتراف بها وتدوينها لتتعلم الأجيال الآتية». القاعة التي غصت بحضور تنوع بين وزراء لبنانيين سابقين وقيادات فلسطينية تعمل في الشأنين السياسي والاجتماعي ومنظمات أهلية لبنانية وفلسطينية، إلى جانب سيدة ديبلوماسية من السفارة النروجية بصفة قنصل، وبدا متحفزاً لسماع ما أنجز على صعيد المصالحة أو مزوداً بأوراق عما فعله هو في هذا الشأن. قال أبو خليل: «إن أجيالاً من الفلسطينيين واللبنانيين لا تعرف أسباب الحرب في لبنان أو هي تعرف القشور، فماذا عن الاتهامات المتبادلة والأكاذيب العالقة بالأذهان أو التي تتناقل على أساس أنها وقائع؟». ورأى أن «ما يقلق هو انسداد الأفق أمام أي حل أو تسوية للقضية الفلسطينية وبالتالي العودة الكاملة أو المجتزأة، ما يجعل اللجوء في لبنان نوعاً من الإقامة الدائمة ولنعترف بذلك، 64 سنة مرت وقد تمضي 64 سنة أخرى، إنه ما يقارب التوطين والتأثير على كينونة لبنان، ومشروع التوطين مشروع مطروح منذ عام 1948 وحتى القرار 194 جاء نصه على نحو يجعل التوطين من الاحتمالات الواردة». وقال: «لا يموت حق وراءه مطالب إلا أن العودة مؤجلة ولنعترف أن ثمة من يرى أن لا حل لأزمة الشرق الأوسط إلا بمشروع الدولة على كامل الأرض الفلسطينية، أما حل الدولتين فليس تحقيقه أقل صعوبة من الدولة الواحدة باعتبار أن إسرائيل دولة عنصرية، ويبقى السؤال لماذا لم ترتفع مداميك الدولة عندما كانت الضفة الغربية لا تزال عربية وغير محتلة؟». ورأى أن ما ورد في نص الدستور اللبناني عن التوطين «من قبيل الحرص على تبسيط المسألة والخلاف على ما يسمى حقوق اللاجئين بين متحفظ عنها ومرحب بها، يجوز توصيفه بالانعزالية، آن الأوان للخروج من هذا الالتباس وطرح الأسباب والأبعاد وصولاً إلى مصالحة حقيقية وليس الالتفاف والتغاضي». واعتبر أبو خليل أن «مخيمات البؤس المتراكم جعلها أقرب إلى المعتقلات فيها بشر وحرمان على كل المستويات ما يطاول كرامة الشخص البشري ومن شأنه جعل اللاجئ ثائراً على واقعه وأهله والبلد المضيف وهو في الحقيقة لم يتذوق طعم الكرامة إلا والبندقية على كتفه أما الثمن على لبنان فكان باهظاً وقاتلاً ويجب أن نتعلم من التاريخ كي لا يعيد نفسه». متري: العفو العام دعوة للنسيان ومن المشاركين ثلاثة وزراء سابقين، الوزير طارق متري اعتبر أن «مشكلتنا في لبنان مع صدور العفو العام عن جرائم الحرب أنه حمل معه دعوة إلى النسيان، فاستأنف اللبنانيون حياتهم من حيث ما قبل أن تبدأ الحرب، وهناك قوى سياسية وجهات تستخدم الذاكرة بطريقة انتقائية وتوظفها في حياتنا السياسية... هذه ليست المبادرة الأولى من نوعها، إذ كثرت الدعوات إلى شفاء الذاكرة وتنقيتها من أجل وحدة اللبنانيين وإرساء علاقات لبنانية - فلسطينية ضمن أطر الاحترام المتبادل والتضامن الحقيقي». وبدا متري أكثر تفاؤلاً بمشاهدات له في معرض عن الحرب وتعليقات الجيل الجديد «حيث لم أجد تعليقاً واحداً متوتراً إنما الكثير من الحس الإنساني وكثير منها عن إفلات المجرمين من العقاب»، وقال: «هناك جيل جديد من اللبنانيين لم يتأثر كثيراً بروايات أهله عما جرى إنما سمعها ووضعها في نصابها، وهذه الرؤية تمهد لمصالحة في العمق فلسطينية - لبنانية لتنقية الذاكرة وشفائها». أما الوزير حسن منيمنة، فاعتبر أن «ما يثار حول موضوع التوطين والحقوق المدنية يستخدم انتخابياً أو نتيجة ضغوط إقليمية ودولية، ولا أعتقد أن المواقف اللبنانية تجاه ذاكرة الحرب هو كلام دقيق، قد يكون هو التناسي». منيمنة وإن تجنب الرد المباشر على نقد وجهه الوزير السابق طراد حمادة عن لجنة الحوار الفلسطيني - اللبناني، اكتفى بالدعوة إلى مراجعة أرشيف رئاسة الوزراء عما أنجزته اللجنة. ورأى «من يقرر من كان على حق ومن كان على باطل خلال الحرب هو بداية النقد الذاتي وما من طرف إلا وشارك عن قصد أو غير قصد في جريمة ضرب الكيان اللبناني وتراجع القضية الفلسطينية، والسؤال عن كيف نبني علاقات بناءة يستوجب بناء واقع قانوني لأوضاع الفلسطينيين وتأمين فرص العمل والتملك وهي تندرج في الإطار الإنساني، فالحرمان قرار ساري منذ قدوم اللاجئين إلى لبنان ما يودي إلى الارتماء في أحضان التطرف». ونادى منيمنة ب «تأطير السلاح لمنع الفوضى والتوظيف والاحتكام إليه في حال الخلاف والبحث في حفظ القضية الفلسطينية وإيجاد التسهيلات لتفعيل النضال وليس بالأسلوب القديم، وتأسيس جمعيات مدنية مختلطة فلسطينية لبنانية لبناء الثقة وترسيخ علاقة مستدامة ومواكبة التطورات العربية الأخيرة والربيع العربي الذي يخدم القضية الفلسطينية». حمادة يتهم السنيورة بخفض الحوار وكان الوزير حمادة استعرض في كلمته نكبة فلسطين والاحتلال الإسرائيلي للبنان ومقاومته. وقال: «الفلسطينيون لم يقاتلوا في لبنان كطائفة وإنما حاولوا أن يلجموا جوانب عدة من الحرب، والتطرف في الحرب له عوامله الداخلية اللبنانية وعوامل إقليمية، والفلسطينيون قاتلوا في لبنان من أجل مصالح فلسطينية واللبنانيون قاتلوا أيضاً من أجل فلسطين، وما يجب نسيانه الأوهام التي زرعها العدو وخطوط التماس وأوهام العزل والقتل على الهوية والتسامح يكون ضمن صدقية واحدة ويقوم على مبدأ أن أهل فلسطين سيعودون وعندها يعم التسامح والسلام». واتهم حمادة الرئيس السابق فؤاد السنيورة بأنه «خفض مستوى لجنة الحوار الفلسطيني - اللبناني من مستوى وزاري إلى لجنة يرأسها سفير وقلت أنا في حينه إنها بداية نهاية الحوار». ومن المتحدثين عضو اللجنة المركزية في حركة «فتح» عزام الأحمد الذي لفت إلى «أن تجربة مخيم نهر البارد تشير إلى أن عدد الفلسطينيين في تنظيم «فتح الإسلام» أقل من عدد السوريين ومواطني الدول الخليجية»، داعياً «إلى عدم تحويل حقي العمل والتملك إلى مادة للجدال والصراع في لبنان لأن فزاعة التوطين لا مبرر لها». وقارن ممثل حركة «حماس» علي بركة بين تكاثر الفلسطينيين تحت الاحتلال وبين قلة عددهم في مخيمات لبنان، مذكراً بالمعاملة التي كان يخضع لها الفلسطيني في فترتي الخمسينات والستينات في لبنان، مشيراً إلى أن القرار 1959 ينظر إلى الفلسطينيين «من الزاوية الأمنية فقط فيما نحن لا نتدخل في الشأن الداخلي ونحترم السيادة لكن نريد الحقوق الإنسانية ومستعدون لترتيب أوضاع المخيمات». ولفت إلى أن الفلسطيني «عندما يسجن يجري التعامل معه على أساس أجنبي وحين يطلب تملك شقة يقال له إنك غير أجنبي، واليوم لدينا سفارة ودولة لماذا لا نتملك شقة في لبنان؟».