" أنا الآن في الجبهة.. دعواتك يا أمي.. دعواتك لي ولإخواني بالنصر أو الشهادة !!". أنهى ذلك الجندي الرضي مكالمته الهاتفية مع والدته ولم يدر أنها ستكون آخر عهده بها قبل أن يلقى ربه دفاعاً عن بلاده ضد المعتدين في جبل الدخان. تلكم قصة الشهيد (محمد فايع العسيري) رحمه الله.. مقالة اليوم تروي مآثر أبطال القوات المسلحة وقوات الأمن السعودية والذين سطروا التضحيات ليقدموا الدروس والعبر للأجيال من بعدهم. ننطلق إلى العام 1973م في حرب رمضان عندما ضرب الجيش السعودي بالمدفعية نقطة مراقبة إسرائيلية وتمكن من تدميرها مجبراً الصهاينة على الانسحاب في معركة الخرافيش وفي تل الفرس. ولعل خير وصف لأبطالنا هي كلمات رئيس الرقباء (مرزوق بن رشيد البلوي) في قوله: "تخفي الجيوش عادة قتلاها خشية على معنويات الجنود، فيما يفاخر الجيش السعودي بقتلاه ويجعل من الشهداء دافعاً للاستمرار والعزيمة، ولا أتذكر أبداً أن أحداً من الزملاء قام بالاستئذان أو قدم الأعذار في أوقات المهام والواجبات، بل إنهم يقاتلون حتى أثناء إصابتهم، وأتذكر جيداً حال أحد الرفاق الذي كان مصاباً إصابة بليغة في قدمه ورفض إجلاءه واستمر ممسكاً بندقيته مواصلاً القتال". ومن القصص التي لاتنسى عندما تجاوز الجندي (محمد علي العسيري) الأسلاك الشائكة والألغام وتسلل إلى عقر دار العدو ليهجم على سيارة عسكرية تقل جنديين إسرائيليين وأسرهما ليقتادهما إلى مقر قيادته!! محطتنا التالية في عام 2005م، حيث الناس يكتظ بها المكان في بقيع الغرقد بالمدينة المنورة لتشيع جنازة البطل النقيب ظافر النفيعي) والذي قدم روحه الزكية وهو يحاول القبض على إرهابي مجرم تسبب في اغتيال 4 أجانب أبرياء في العام نفسه، ورغم حرص (ظافر) -رحمه الله- على حياة الناس من حوله حيث كانت المسافة عشرات الأمتار إلا أن الإرهابي راح يطلق الرصاص بشكل هستيري اخترقت ثلاثة رصاصات منها صدر الشهيد بإذن الله.. والدة البطل كانت تؤكد:"ابني استشهد مقبلاً لا مدبراً، وأبنائي الآخرون فداء للوطن". وننتقل إلى العام 2009م وتحديداً في أرض مطار جازان، هناك سجد المقدم مظلي (سعيد محمد العمري) ليسأل الله عزوجل أن يتقبله من الشهداء.. خاض هذا البطل غمار الحروب فداء لدينه ومليكه ووطنه لتحرير الكويت وفي قوات حفظ السلام بالصومال، ومع ذلك فلم يتردد لحظة في تلبية النداء للدفاع عن أرضه ضد المعتدين. وأكرم الله البطل بالشهادة حين انفجر به لغم أرضي وهو يقوم مع فرقته بتمشيط جبل الدخان. ولاننسى بطولة العريف (تركي بن رشيد الرشيد) والنقيب (محمد بن حمد العنزي)، رحمهما الله، واللذين نالا الشهادة دفاعاً عن إخوتهم الأبرياء الآمنين ضد الإرهابيين المجرمين في حادثة الأحساء الأخيرة ،، ونذكر النقيب (ياسر المولد) والجندي (فهد وزنة)،رحمها الله، واللذين لقيا الله على أرض مكة المكرمة عام 2003م وكانا أول شهدائنا في الحرب على الإرهاب. وإذا كان هؤلاء الأبطال، وغيرهم الكثير ممن لم يتسع المجال لذكرهم، ضحوا بأرواحهم في لحظات ليلقوا ربهم في منازل الشهداء بإذن الله، فإن أبناء هؤلاء الأبطال وأزواجهم ووالديهم وعوائلهم هم الأبطال الذي يضحون بكل لحظة من حياتهم بعيداً عن أحبائهم. وتلكم مسؤوليتنا جميعاً في الوقوف معهم وتكريمهم وتخليد تضحيات أبطالنا الشهداء في مناهجنا الدراسية وفي إعلامنا. كما من المهم في خطابنا الديني والإعلامي ربط مفهوم الشهادة والجهاد بهؤلاء الأبطال وليس كما يصور أعداؤنا وخوارج العصر. وصدق الشاعر (تميم البرغوثي) في وصفه للشهداء: وكم عاشت نفوس وهي موتى .. وكم ماتت نفوس وهي حية!