يستعصي على أي محلل لشؤون اليمن فهمُ طبيعة التحالفات والارتدادات، التوافق والتعارض؛ لأن البيئة ذاتها الحاضنة لكل شيء تتغير مع الظرف السريع، وأن إيقاع الحياة مهما كان مسالماً ونقياً، فأدوات تأزيمه موجودة في القبيلة والعائلة والمذهب، ومع ذلك فالسياسة هي من يلعب دور المتناقضات وليس المواطن أو الشعب.. منذ عصر الإمامة وحتى اليوم تماسك اليمن ثم أُدمج فيه الجنوب وهو المشكل الذي لا يزال يرفع ضغط الشمال، ولا يؤخر مطالب الجنوبيين بالعودة إلى طبيعتهم القديمة، لكن ما هو جوهري التقلبات الجديدة التي أفرزت قوة الحوثيين واندماج فصائل الجيش والشرطة وحزب علي عبدالله صالح في تكوين سلطتهم، وكلّ يرى اللوم على السلطة والفساد ومواريث طويلة من الأخطاء المتراكمة التي أدت للبحث عن منقذ، فكان الحوثيون هم الوريث القابل لامتلاك السلطة.. الشكوك المتلاحقة لا تنفي التهمة عن الحلفاء ومن خارجهم من المعارضة، لكن هل تشكيل الحكومة الجديدة سيكون أمراً مرضياً يعبر باليمن إلى المصالحة والالتفات لما هو أهم وهو تحقيق مطالب المواطن في الأمن، والقضاء على الفقر وفق خطوات تراعي مصلحة كل اليمنيين، أم ترفع شعارات طائفية وإقليمية تستعدي أطرافاً عربية وإسلامية، وعائدها في النهاية هو كارثة على الجميع بمن فيهم رافعو الشعارات؟ الشكل العام يخفي أن القلق الداخلي يتجاوز اليقين، وهو الأقرب إلى فهم طبيعة البلد، ومثلما القبيلة، ولا تزال، لها دور المنقذ ضمن ضابط إيقاع شخصي لعب دوراً أساسياً في جمع الفرقاء، فإن الأحداث الراهنة لا تزال تطرح مخاطرها، حتى لو كانت القوة بيد التحالف الجديد.. فرئيس الجمهورية، رغم سعيه رفض أي صدام بين التيارات، إلا أنه يحاول تقريب وجهات النظر بدواعي الحفاظ على الوحدة الوطنية، وألا يدخل مخلفات الربيع العربي الذي مزق خرائط وطنية لصالح فئات وعناصر لا تدين للوطن إلا برفع الهوية، والتي يعدونها موقتة، وهنا الإشكال.. فعلي عبدالله صالح لا يزال يحرك مصادر قوته، وهناك من يعتقد أن الحوثيين هم مجرد أداة جديدة وهو الذي حاربهم في صعدة، وقاد معارك شرسة معهم، فهل أعداء الأمس حلفاء اليوم، أم أنها هدنة البارع الذي يريد استثمار الوقت والظروف لإعادة سلطته غير المباشرة من خلال حكومة ظل تدين له بالولاء وتنفذ مشاريعه ضمن صفقة خاصة تعيد صالح لحلبة الدولة، حتى ولو كان مستتراً من خلال تآلف يقوده بنفسه؟ من يعرف اليمن يدرك صعوبة حكمه بأي فصيل إذ نشأت حروب وتقاتل بين الفصائل، وحضور دول إقليمية في الواجهة وخاصة إيران، قد يؤدي إلى انكماش علاقاته مع دول لا تزال هي مصدر دخله وخاصة الخليجية التي تبقى على خلاف سياسي وديني مع إيران، وهي التي لا يمكن أن تكون البديل الموضوعي للداعمين العرب أو غيرهم.. ثم ماذا عن الحلول المطروحة للجنوب، هل يمكن قبول انفصاله أو دولة فدرالية قد لا ترضي طرفي العلاقة، وهذه المسألة تعد واجهة الصراع المحتدم منذ سنوات طويلة، وتعقيداتها لا يمكن أن تحل بظروف اليمن الراهن، إلا إذا استغلت أطرافٌ ما فرضَ حالة الفصل من خلال الحالة الراهنة، وهذه أيضاً قد تبقي الصراع ولا تحله، وكل هذه التراكمات تحتاج حكماً ينأى بنفسه عن الخلافات من أجل مصلحة كل اليمنيين.. لمراسلة الكاتب: [email protected]