التقيت قبل سنوات شابّاً ممن تورطوا في خلايا التطرّف والإرهاب وكان على صلة بزعيم الخليّة وقلت له: ما أعجب ما رأيت؟ قال: في التخطيط للعمليات (الإرهابية) كنّا نبدي تخوفنا من قتل الأبرياء فكان قائد الخلية يقول: التعليمات والمصلحة الشرعية لا تقيدنا ولو وصلت "الدماء للركب". وهكذا على مثل هذا النهج تسير عصائب الخوارج وأهل الفتنة عبر حقب التاريخ الإسلامي. ويذكر المؤرخون أن أهل الفتنة حين خرجوا على الإمام علي رضي الله عنه وآله سنة 38 هجرية كانوا قد كفّروه ومن معه فقاتل من أصرّ منهم في معركة "النهروان" ولم ينج منهم سوى أربعين عنصراً. وقد نقم شرار الخوارج على الإمام وعلى كبار المسلمين فأرسلوا ثلاثة من القتلة لترصّد الخليفة على بن أبي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان وعمرو ابن العاص وفشل المارقان المكلفان بقتل معاوية وعمرو وباء ابن ملجم بقتل علي كرّم الله وجهه وهو في محرابه أثناء الصلاة. وعبر تاريخ المسلمين ثار المارقة أكثر من 30 ثورة يستحلون فيها الفتنة ويقتلون المسلمين ولم يكتب الله لهم في كل عصيان إلا المزيد من الخسران المبين. ومن عجيب حال هؤلاء الخوارج أنهم لا يشغبون إلا في أحوال استتباب أمر جماعة المسلمين ولا يقاتلون إلا أصحاب القبلة. ومما يبين عماهم وضلالهم أن جماعة من قدماء المارقة الخوارج قبضوا على الصحابي عبدالله بن خبّاب بن الأرت ومعه امرأته وهم يهجمون على قرية للمسلمين فقال لقد روعتموني فعرفوه. يقول الراوي قالوا: أنت عبدالله بن خبّاب صاحب رسول الله؟ قال: نعم، قالوا: فهل سمعتَ من أبيك حديثًا يحدّثه عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، تحدّثناه؟ قال: نعم، سمعتُ أبي يحدّث عن رسول الله ذِكْرَ فِتنةٍ القاعدُ فيها خيرٌ من القائم والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي والماشي فيها خيرٌ من الساعي. فسأَلوه عن أَبي بكر وعمَر وعثمان وعلي، فأَثنى عليهم خيرًا، فذبحوه حتى سال دمه في الماء، ثم قتلوا امرأته وهي حامل قد بان حملها فقالت: أَنا امرأَة، أَلا تتقون الله؟! فبقروا بطنها وذبحوا جنينها. لا عجب اليوم حين ينتشر أحفاد ذي الخويصرة وابن ملجم في طول عالمنا الإسلامي وعرضه يقتلون ويروعون ويتباهون بتكفير أهل الإسلام وجزّ رقاب المسلمين والمعاهدين فهذا دأبهم أما نهايتهم فإلى الخزي والخسران كما انتهى أسلافهم وهذا وعد الله. وفي حادثة الأحساء كان "للدالوة" تلك القرية الوادعة في حمى جبل "القارة" موعد مع قدّر الله ليقدم فيها فلول المارقة استفتاء مجانياً يكشفون فيه عوارهم وخزي من تكفّل برعاية إثمهم من شياطين الداخل والخارج. فلقد انتفض الوطن بما فيه الأحساء وأهلها بكافة أطيافهم وفي استفتاء الأحساء تعاضد المنبر والقلم ليقولا لأهل الفتنة اللهم كما رددت فتنتهم عنّا أكفناهم وشراذمهم بما شئت. اللهم ارحم موتى الأحساء وارحم رجال الوطن حماة الدين والأمن الذين واجهوا أهل الغدر بصدورهم. اللّهم احفظ عيوننا تحرس في سبيل الله وثبّت عزائم من يواجهون أهل الفتنة والظلم وامنحهم وعدك الحق: "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون". مسارات قال ومضى: أسوأ الناس في معركة الحق والباطل من يختار مكانه وسط المتفرجين. لمراسلة الكاتب: [email protected]