من يتذكر أو قرأ عن مرحلة الخمسينيات في القرن الماضي كيف دخلت أمريكا معترك التنافس مع الاتحاد السوفياتي، وكانت إحدى الطفرات لهذه الدولة العظمى ما سمي عام 1957م بمبدأ «أيزنهاور» في تلبية أي عون عسكري أو اقتصادي لدول المنطقة العربية، وتحديداً التي لم تكن تلتقي مع الطروحات السوفياتية، والمخاوف من أن يملأوا الفراغ بعد انحسار الاستعمارين الانجليزي والفرنسي بعد نهاية مطامحهما ما بعد الاعتداء الثلاثي على مصر عام 1956م في موقع كان التنازع عليه ساخناً منذ بدايات الامبراطوريات التاريخية، وإلى اليوم؟ أمريكا متى ما أرادت الدخول في المنطقة بصفة عسكرية أو سياسية فإنها لا تحتاج لإذن أولاً للانقسامات والفوضى الصاخبة التي تجري في دولها، وثانياً لم يعد هناك وجود لمنافس ينازعها الإرادة السياسية أو غيرها، كما كان سابقاً مع الاتحاد السوفياتي الذي استطاع إيجاد موضع قدم له مع أكثر من دولة كانت على توافق وتناغم تامين مع مواقفهم ونهجهم الايدلوجي والأممي، غير أن تراجع المواقف العربية وخروجها من معادلات القوة مع إسرائيل، ثم حالياً مع إيران وتركيا، ترك فراغاً لا يشبه ما كان يريد تنفيذه الرئيس الأمريكي آنذاك «أيزنهاور» بل جاء متطابقاً مع الفوضى الخلاقة أو العارمة، وخاصة بروز تيارات إسلامية متطرفة وإرهابية صمتت عنها معظم دول العالم، أو تركتها لتفاعلاتها حتى تصل إلى نهايات سعيدة أو غير سعيدة، غير أن أمريكا مرتبطة عضوياً بهاجس مصالحها وما تدعي أمنها القومي.. عصر الثنائية القطبية انتهى، والتنافس الظاهر على سورية بين الروس وإيران من جهة، وما تدعي أمريكا أنه عودة للنفوذ الروسي، هو مجرد غطاء لخلافات سياسية لا ترقى لما كان موجوداً في تاريخ مضى في الصراع على النفوذ وتقاسم الأدوار، ومع أن أمريكا تدرك تبدل المواقع مع خصومها، وأنها لازالت السيد الأول، إلا أن الذين يتطلعون للمراحل القادمة وخاصة الصين ثم الهند، فهما لا تريدان في الوقت الراهن منازعة أمريكا، والتخطيط لبناء قوتهما الاقتصادية أولاً، بل لا نرى مواقف محددة للصين، وهي القوة الرديفة، من أي نزاع عالمي، إلا ما يحيط بها مثل كوريا الشمالية أو تايوان، أو من يدير حركة التجارة والصناعة وتآلف القوى في آسيا، لكن هل أمريكا غافلة عما تخطط له الصين ليس في البعد القاري فحسب، وإنما الدولي، وهي التي تحاول عودة فتح النوافذ مع روسيا وبحسابات دقيقة لا تدعي خلافها مع الغرب بقطبيه أمريكا وأوروبا، ولكنها ترى في المجال الحيوي لروسيا البيئة البكر المغرية بإمكاناتها الهائلة، ثم النظر لقوتها النووية والعسكرية كمعادل سياسي للغرب وبأنها ميدان يغري لعمل ثنائي لا يرقى للتحالف، ولكنه ليس بعيداً عنه في حال أي هزة تحدث بين كل الأطراف؟ هنا يحيلنا هذا الظرف في ميادين التنافس إلى العودة لطرح السؤال هل تلجأ أمريكا إلى مبدأ «أيزنهاور» بملء الفراغات الشاغرة في آسيا أو المناطق الحساسة العربية أو الأفريقية واللاتينية، وكيف سيتحول التنافس إلى صراع بين تطلعات الصين، ونفوذ أمريكا، وهل العالم مقبل على دورة جديدة من تنازع قطبين جديدين أم أننا سنشهد عالماً جديداً يصاغ بأفكار جديدة، أو أدوات أخرى لا تنتمي للقرن الماضي؟!