حضرت قبل عدة سنوات برنامجا لأحد المدربين الخليجيين المعروفين وكان يتحدث على أنك عندما تشير الى شخص بإصبعك لأنه أخطأ او مسؤول عن خطأ ما فأعلم أن هناك ثلاث اصابع تشير اليك والخامس يشير الى الأعلى بأن الله شاهد عليك. ومن باب الدعابة كان يقول إننا نحن العرب قد تخلصنا من المسؤولية فاصبحنا نشير بكامل اليد (اي بالأصابع الخمس كلها) على الشخص الآخر فلا مسؤولية تجاهنا والحمد لله. ورغم أننا ضحكنا ذلك الوقت إلا أنني خرجت وأنا افكر وأدرس تصرفات ليس الخليجيين فقط بل العرب بصفة عامة ووجدت أن هذا ما يحدث بالفعل حيث إننا دوما ما نشير الى الطرف الآخر بالمسؤولية دون أن نحدد مسبب الخطأ وهل لنا درور فيه أم لا. كلما جلست في مجلس وجدتني أسمع البعض يتحدث وينتقد بشكل سلبي الإدارات والتعاملات والطرقات و... و... وغير ذلك وكيف أن الجميع لا يؤدي عمله بإتقان وأن السبب هو غياب المسؤولية. ثم تجد ذلك الشخص يتحدث ببراءة ويبدأ في طرح الحلول وأنه لو كان مسؤولا لفعل ولعمل ولخلص الناس من تلك المشكلة ومشكلات العالم كلها.. بينما تجده يعجز عن حل مشكلة بين موظفيه أو مشكلة عائلية وربما تجده لا يملك خبرة ولا دراسة، ولا هو قادر على اتخاذ أي قرار صحيح حتى في ابسط الأمور في حياته. المسؤولية يا صديقي تبدأ من خلالك وعليك أن تنظر الى المرآة لترى عيوبك قبل عيوب الناس. فلو أتيحت لنا الفرصة لنسأل من نتعامل معهم ومدراءنا ومرؤوسينا عن مدى قيامنا بالمسؤولية بشكل جيد تجاههم لوجدنا أمورا قد لا تسرنا في بعض الأحيان. إننا يا سادة ياكرام من يصنع المجتمع فنحن الأسرة ونحن الموظف ونحن القائد ونحن من يقود العربة أو يوجه سائق العربة. إن المسؤولية تنطلق من قاعدة أن الإنسان يحمل أمانة في هذه الحياة الدنيا والتي ذكرها الله سبحانه وتعالى في مجمل كتابه في سورة الأحزاب: "إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا" والأمانة هي ممارسة فعلية لكونك مسؤولا عن حياتك وحياة الآخرين على الأرض وقد وهبك الله كل ما يلزمك لحمل هذه الأمانة وجعلك بذلك متيزا عن باقي المخلوقات. والمسؤولية تنبع من محاسبة الشخص لنفسه قبل محاسبة الآخرين وهذا نابع من المفهوم الإسلامي الصحيح "قل هو من عند أنفسكم" آل عمران:165.. وقوله تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" الرعد:11.. فهي بذلك محكومة بمخافة الله وضرورة الحفاظ على وحدة الجماعة فتتصرف في ملكك من وقت ومساحة وحياة بما لا يتعارض مع المبادئ التوجيهية للشريعة وما لا يضر بممتلكات الغير. وقد وضح الفقهاء بان المسؤولية في الاسلام تقع على مرحلتين: الأولى قبل القيام بالعمل فيكون الشخص مطالبا بحسن الاختيار ومسؤولا عن اختياره، والثانية تكون بعد قيام الشخص بالعمل فيكون الإنسان مسؤولا عن الأمر الذي اختاره وكيف قام بتأديته وما آثاره وتبعاته وتكون المسؤولية مسؤولية استجواب ومحاسبة. وقبل أن تنتقل المسؤولية من المرحلة الأولى الى المرحلة الثانية علينا دوما أن نفكر في الآثار الناتجة ليس على المستوى البسيط في من هم حولنا بل على الدائرة التي سيصل اليها نتاج تصرفنا هذا. فمن يقوم بقيادة السيارة بسرعة وبلا مبالاة قد يعرض الآخرين للخطر فربما يصبح مسؤولا عن فقدان أرواح لأناس آخرين وتيتم ابناء ليس لهم ذنب سوى أنهم كانوا ضحايا لشخص لا يتمتع بأدنى نوع من المسؤولية ليس هو فحسب بل كل من ساهم في منح ذلك الشخص رخصة القيادة أو السيارة التي يقودها. ومن يقوم بترك فتحة المجاري أو الصرف الصحي دون غطاء ليموت طفل وابوه فتلك ليست مسؤولية صغيرة يمكن أن نتبادل فيها الملامات إنما هي فقدان حياة وكلنا فيها مسؤول من أصغر موظف في تلك الدائرة الى اكبر مسؤول فيها لم يضع النظام الصحيح الذي يكفل حماية المواطن في هذا الجانب. إننا نرتكب في بعض الأحيان الكثير من الإهمال في مسؤوليتنا الفردية تجاه سواء الأسرة أو العمل الذي نقوم به أو البيئة أو الوطن. فعندما لا نقوم بالمسؤولية تجاه ابنائنا فذلك خطأ، وعندما لا نعلم ابناءنا معنى المسؤولية وضرورة تحملهم لها بما في ذلك نظافة المكان الذي يعيشون فيه أو يتنزهون فيه أو يدرسون فيه بحجة أن هناك خدما أو عمال نظافة وتلك من أعمالهم فذلك خطأ كذلك. والمعلم في مدرسته مسؤول عن تعليم الأبناء بإتقان وأمانة، والموظف في عمله مسؤول عن تقديم الخدمة للعميل بإتقان وأمانة، ومن يقود سيارته في الطرقات فعليه القيادة بحرص لا يضر بحياة غيره أو الممتلكات العامة التي يستفيد منها العامة أو زيادة السرعة فجأة لإخافة عامل أجنبي أو سيدة تعبر الطريق او دهس حيوان بريء أو عكس طريق عام أو قطع إشارة (الأسوأ أن يكون ذلك يصدر من شخص ببدلة عسكرية وفي سيارة أمنية)، وغير ذلك من الأمور التي لا يسع ذكرها في هذا المقال. ونمط آخر من المسؤولية هو مسؤوليتك تجاه البيئة والذي أصبح مطلباً أساساً يتعلق بصحتك وصحة من حولك ونوعية الحياة على الأرض. إن إهمالك في مسؤوليتك تجاه البيئة كتخريب الأماكن العامة والمزروعات وإلقاء القاذورات والنفايات في غير أماكنها الصحيحة وخاصة في الطرقات بين المدن كالأكياس والعلب البلاستيكية كل ذلك يؤثر سلبا على البيئة وينعكس على توازنها وعلى صحة الإنسان، وهو ما دلت عليه الدراسات الحديثة من ارتباط كثير من الأمراض الخطيرة مثل الأمراض الصدرية وتزايد الإصابة بالسرطانات المختلفة بتدهور البيئة المحيطة بالإنسان. إن المسؤولية لا يمكن ان تعفي صاحبها من الإهمال في آدائها حتى لو أفلت الشخص من ذلك في الدنيا فسيلقى جزاءها في الآخرة يوم لا يستطيع أن يفر منها "إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" سورة الإسراء.. فكلنا مسؤول ليس فقط عن آداء الأعمال بل والإضافة اليها حتى لا نكون كرقم الصفر على اليسار زائدا ليس له أثر أبقي أم أزيل. وأخيرا كما أننا نحرص على آداء المسؤولية باتقان فإن أداءها يجب أن يكون من غير غرض الحصول على عائد مالي أو معنوي بطريقة غير شرعية فالموظف أو المسؤول الذي يؤدي ما يجب عليه من مسؤولية بمقابل غير شرعي سواء أكان مالا أم هدية أم منصبا أم غيره من باب الفساد فليتأمل معي هذا الحديث فهو كاف بشرح خطر الفساد في آداء المسؤولية فعن النبي صلى الله عليه وسلم- عن رجل ولي على صدقات بني سليم، يدعى: ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم وهذا هدية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا؟ ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه، إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحدًا منكم لقي الله، يحمل بعيرًا له رغاء، أو بقرةً لها خوار، أو شاةً تيعر، ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه، يقول: اللهم هل بلغت؟ بصر عيني وسمع أذني).