هناك أعمال رقابية وإشرافية يقوم عليها موظفون يكون لهم دور كبير في اتخاذ قرارات مصيرية وهامة في أغلب الأحيان، مثل أنشطة الرقابة البلدية، وحماية المستهلك في وزارة التجارة، والجمارك، ومثلها إدارة مناقصات المشروعات، وغيرها الكثير من المهن والأنشطة التي تجعل بعض الموظفين؛ خاصة «ضعيفي الأمانة والإرادة» أمام الكثير من المغريات والسلوكيات الخاطئة، مثل:»الرشوة» أو «الاختلاس» أو «التقصير» في أداء المهام الوظيفة، حيث لاحظنا أن هناك الكثير من جرائم الرشوة والاختلاس التي أعلنت عنها هيئة الرقابة والتحقيق في تقريرها الأخير، كذلك رصد بعض حالات الإخلال بواجبات الوظيفة على مختلف أشكالها المنظورة أمام دوائر هيئة التحقيق والإدعاء العام تحت ما يعرف ب «قضايا الفساد الإداري». ونظراً لأهمية هذه الوظائف الرقابية والإشرافية على الصحة العامة والأمن الأخلاقي؛ فإن الوضع يتطلب ضرورة تعميم تجربة «تأدية القََسَم الوظيفي» لكل شخص يعمل في تلك المهام، كما هو معمول به مع مفتشي وزارة العمل الذين يؤدون القسم قبل أداء مهمة التفتيش على منشآت القطاع الخاص، والتأكد من تطبيق الأنظمة والتعليمات، بل نتمنى أن يكون أداء القسم «ثقافة وظيفية» لمثل هذا النوع من الوظائف، حيث تعد محفزة على الأمانة، وليست تشكيكاً في نوايا أحد، أو إساءة لجهة ما، وإنما القصد أن يكون «ضمير الموظف» حياً، وسداً منيعاً أمام المغريات التي قد يتعرض لها، ونحن نرى كثيراً من الجهات الحكومية كرمت موظفين امتنعوا عن تلقي رشى لتخليص معاملات خاصة، أو إنجاز مناقصات لطرف ما، وهذا الإحساس بالمسؤولية الوطنية هو الذي ننشده في هذا التحقيق، مع القناعة التامة بأن من لم يردعه دينه وإيمانه وأخلاقه عن ارتكاب مثل تلك الجرائم؛ فإن كل وسائل المنع لن تكون قادرة على معالجة هذا المرض والآفة، وبالتالي يأتي «أداء القسم» في هذه الحالة كزيادة في التعزير عند الإخلال به ورادعاً عن أي تصرف مشين. ما المانع أن يؤدي القسم مراقب البلدية وحماية المستهلك وموظفو الجمارك و«مناقصات المشروعات»؟ ظاهرة خطيرة في البداية قال «سلطان بن عبدالرحمن العثيم» -الباحث في قضايا الفكر الإسلامي- إن تعميم تجربة القسم قضية في غاية الأهمية في عصرنا الحالي، حيث تفشت ظواهر خطيرة أصبحت تهدد مصالح البلاد والعباد، وتسيء إلى الوطن والمواطن من فساد سلوكي وإداري ومالي أضحى يطل علينا بعينه «الوقحة» في مرافق عدة خدمية وغير خدمية، خاصة وعامة، صغيرة وكبيرة في وطننا الذي نغار عليه جميعاً، ونسعى في مصلحته ومصلحة مواطنيه. وأضاف:»من هنا أجزم أن وضع آلية القسم كأحد أبرز الآليات الرادعة للفرد والجماعة من أي انحراف يطرأ على المسار الوظيفي أو الأدائي في أي مستوى من المستويات الإدارية يعتبر أمراً ملحاً، وضرورياً لا يمكن أن نغفل عنه، كما أنه يعتبر من ضرورات العصر الحالي التي أصبح الفساد والمحسوبية والتجاوز والتقصير أحد أبرز تحديات التنمية الآنية والإستراتيجية للدولة في محافل عدة من هذا البلد الطاهر؛ الذي يجب أن يعتبر نموذجاً إدارياً وتنظيمياً وإنتاجياً مميزاً بكل تأكيد نظير المنطلقات الإسلامية والشرعية التي ينطلق منها الفرد والمؤسسات العامة والخاصة؛ فهو قبلة المسلمين ومهد النبوة الشريفة، وحاضن حضارة الإسلام الخالدة؛ ناهيك عن اعتبارات محلية وقومية أخرى لها وزنها، حيث إن المملكة بلد قيادي ومحوري في الخليج والمنطقة العربية والشرق الأوسط وهو قدوة للجميع وينظر إليه دوماً نظرة مختلفة». العثيم: خطوة مهمة ننتظرها لحماية الأرواح والممتلكات وقت العلاج وأشار إلى أنه حان الأوان لسن تشريعات هامة وبارزة لعلاج هذه الظواهر ومسبباتها وانعكاساتها السلبية الكبيرة على البيئة العامة للإدارة والأعمال والمصالح الشعبية والرسمية، وأزعم هنا أن الإنتاجية والأداء الوظيفي للأفراد سوف يتغير إيجاباً بشكل كبير، خصوصاً الوظائف الحساسة مثل المفتشين والمراقبين، وجميع المسؤولين عن الممارسات المالية أو التنفيذية الحساسة في الوزارات والإدارات الفرعية، وهو أمر مهم إذا عمل كجزء من منظومة التوعية والنظام والتي أطالب بها، والتي ترتكز على تعميق روح المسؤولية والأمانة والوطنية، واحترام حقوق الآخرين ومكتسباتهم العامة والخاصة، والخوف من الله وعقاب الدنيا والآخرة، واعتبار كل ذلك خيانة لله تعالى وللمواطن والوطن والأمة، وبغي كبير وفادح بحق من اؤتمنوا على هذا المرفق أو هذه الخدمة أو هذا المال، ولا ننسى خصوصاً إذا كان الأمر متعلقاً بأرواح أو قضايا مصيرية أو مالية أو حقوق شخصية أو ممتلكات عامة أو خاصة، أو تعطيل لمصالح الناس وإعاقة حركتهم وتعطيل أعمالهم وتهديد مستقبلهم. د.العييري: تقليد دولي متبع في سلطات ومهن أي دولة تجربة وزارة العمل وأوضح «د.سليمان بن إبراهيم العييري» -رئيس لجنة المحكمين بالغرفة التجارية الصناعية بالقصيم- أن «أداء القسم» أمر عظيم الأهمية المسؤولية، كما أن الأداء الوظيفي الراقي المخلص هو سمة طبيعية لإنسان طبيعي ملتزم بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وتوجيهات ولاة الأمر حفظهم الله، حيث من أهم عناصر اختيار الموظف هي القوة والأمانة «إن خير من استأجرت القوي الأمين». مراقب بلدية يؤدي مهمته بإخلاص للتأكد من سلامة المواد الغذائية في أحد المطاعم وقال:»إن الأمانة مهمة في حسن التعامل وإنجاز العمل في الوقت المحدد والمساواة بين المراجعين أي إنجاز المهمة دون النظر إلى قدرة أو قوة أو نفوذ صاحبها من عدمه، حيث إن الإنسان بطبيعته كائن بشري، يؤثر ويتأثر بمن حوله سلبياً أو إيجابياً ومع وجود التوازن وتشابك المصالح وتقاطعها يحصل لا شك من الموظف العام كغيره من البشر أخطاء وتجاوزات واستغلال البعض لوظيفته؛ إما لجلب مصالح شخصية أو مادية أو معنوية أو تحقيق أغراض خاصة أو خدمة مقابل خدمة، وهذا كله مناف للأخلاق والأمانة وتعاليم ديننا الحنيف ونشوء أخلاق إدارية سلبية مثل الرشوة والواسطة، ولذا أرى لزاماً تطبيق أداء القسم على عدد من المهن التي لها علاقة مباشرة بالمواطنين أو المشاريع أو المناقصات الخاصة بالمشاريع، وأداء القسم تقليد متبع في رأس هرم أي دولة أو السلطات التابعة لها، وكذلك للأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين والمحكمين والرياضيين في العديد من دول العالم، وكل القضايا الحساسة التي نعتمد على بعضنا، ولذا فإن وزارة العمل أصدرت قراراً بإلزام المفتشين أداء القسم قبل مباشرة العمل، وهذه سنة حسنة أتمنى لو يتم تطبيقها في أمانات المدن وإدارات المشاريع والجمارك وشئون الموظفين والإدارات المالية وعلى المهندسين والمحاسبين. الوابلي: لماذا لا تشترط الخدمة المدنية « وثيقة قسم» عند الترقية والتعيين ؟ شرف المهنة وقال «عبدالله بن محمد الوابلي» -عضو مجلس منطقة القصيم رئيس اللجنة الاقتصادية- إن أخلاق الموظف هي مؤهله العالي وحصانته المانعة، وكان حري بديوان الخدمة المدنية أن يطلب من كل موظف جديد أو مرقى على مرتبة جديدة (بغض النظر عن نوع الوظيفة وطبيعتها) أن يرفق مع مباشرته «وثيقة قسم» أن يحافظ على ما اؤتمن عليه وأن يتأدب بآداب المهنة وأخلاقها، وأن يعلم بأن الوظيفة ليست مجرد مغنم مادي بل هي تكليف للمساهمة في بناء الدولة وإعمار الحياة فيها. مراقبان نجحا في الكشف على مصنع للحلويات غير مرخص ومخالف للأنظمة «إرشيف الرياض» وأضاف: أن المتأمل في واقعنا المعاش يصاب بالدهشة والدوار عندما يرى شتى صنوف الممارسات الخاطئة للوظيفة أو المسؤولية، وأنا ضد مطالبة فئة محدودة فقط من الموظفين بتأدية «قسم المهنة»، فجميع الوظائف والمسؤوليات بلا استثناء عند موت الضمير أو مرضه عرضة للفساد، والمصيبة أننا لم نترجم ما اكتسبناه من علوم ومعارف في مدارسنا إلى سلوك مهني، فالصدع كبير بين ما نطلقه من شعارات براقة عند الحديث وما نقدمه من ممارسات خاطئة عند التطبيق. عبدالله الوابلي وأشار إلى أن للفساد أشكالا ومظاهر شتى ولا حاجة لاستعراضها؛ فالكل يدركها ويحفظها عن ظهر قلب حتى أصبع الكثير منها مستساغاً ومقبولاً ولا اعتراض عليه أو تبرم منه، فمن أشكال الفساد المستشري في أغلب الإدارات الحكومية هو اقتطاع وقت ليس قصيراً من الدوام للإفطار الجماعي الذي يستغرق مدة لا تقل عن نصف ساعة يومياً (على مسمع ومشهد من المديرين) خلال فترة الإفطار التي اعتبرها الموظفون حقاً مكتسباً لهم،حيث تجد المكاتب شبه خاوية، وهذا شكل واحد فقط من أشكال الفساد والتسيب، مشيراً إلى إن الجميع مطالبون بأداء القسم المقترح وليس فئة أو فئات محدودة من الموظفين. د.سليمان العييري التزام وتوعية وأكد «العثيم» على أن لا يكون هذا القسم مجرد إجراء إداري فقط بدون إي زخم أو توعية، بل يجب أن يتم تعظيمه في نفوس المسؤولين، وأصحاب العلاقة، حيث نسير في مشروع واحد؛ لرفع الوعي بالمسؤولية العظيمة الملقاة على أصحاب هذه الوظائف أين كان موقعها، وفي أي مرتبة أو درجةٍ وظيفية بدون أي تميز أو تصنيف. وقال:»إن زيادة هذه الإجراءات في القيادات الوظيفية والمهنية والإدارية هام جداً؛ فالقيادات هم القدوة كما يعرف الجميع، وعليهم مسئولية كبيرة في هذا الجانب، وفيما نرجوه من تنقية البيئة الإدارية والتنظيمية للوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة من أي تجاوز أو تقصير». تقصير مهني وأضاف:» إنني أذهب بعيداً عن ذلك، وتحديداً في قضية رفع روح المسؤولية لدى الموظف، حيث تؤكد الدراسات الرسمية أن الموظف الحكومي في المملكة لا ينتج أكثر من ثلاث ساعات يومياً -حسب إحصائية هيئة الرقابة والتحقيق- فقط وباقي الوقت ضائع في الإفطار وقراءة الجرائد و»المشاوير الجانبية» والأحاديث الجانبية أثناء وقت الدوام، وهذا بكل تأكيد يعتبر عبئاً لا يحتمل على أي مشروع تنموي أو نهضوي لأي دولة، حيث تنخفض إنتاجية الموظفين وينتشر التسيب والفوضى وتتحول الوظيفة الحكومية إلى ما يشبه الضمان الاجتماعي والبطالة المقنعة، كما تحتشد الحشود في المكاتب ولا نرى أي قوة إنتاجية دافعة إلى الأمام أو سرعة في الانجاز أو إتقان في التنفيذ!». منظومة إصلاح وقال»العثيم» إننا بحاجة إلى منظومة من الإصلاحات الإدارية على بيئتنا الوظيفية والإدارية العامة والحكومية تعالج كل هذا الخلل، وتتعامل بكل جد وحزم مع كل تجاوز أو تطاول على المصالح العامة والخاصة؛ مع الحرص الكامل على ألاّ تكون هذه الأنظمة حبيسة الأدراج، بل لوائح جديدة ومعاصرة وشفافة ومعلنة تنقل بيئتنا الإدارية والعملية إلى المعالي، وتحقق طموحاتنا وتطلعات القيادة والشعب، فتضميننا للقسم وتفعيلنا له يكون عبر تفعيل أنظمة المراقبة والمحاسبة والمعاقبة والتشهير بالمتهمين ومحاكمتهم، والتعاطي مع كل هذه المنظومة بشكل عملي وفعال وراق يحقق مصالح المواطن والوطن والقيادة، وينقل الأوضاع إلى ما يطمح إليه الجميع؛ فلنركز على الحلول بدلاً أن نضيع الوقت في تركيزنا على المشكلة.