قد يتعجب أحدهم من الحديث عن الأمن الفكري للأطفال! ذلك أن طبيعة تلك المرحلة العمرية أن يتحقق فيها هذا الأمر الفطري انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة....) ولكننا صرنا وبكل أسف نسمع من الأطفال عبارات تخالف هذا النهج القويم! تسألون كيف؟! في مشهد عابر تسمع أحد الأطفال يقول: لقد سرقتُ عدداً أكبر من السيارات فارتفع رصيدي؟! لقد قتلتُ عدة أشخاص فتجاوز رصيدي الآلاف؟! أحرقتُ عدداً من السيارت فحصلت على الجائزة!! ... هذا ما تتعلمه تلك الفئة البريئة من جملة من الألعاب الالكترونية والمشاهد المدبلجة التي توجد داخل بيوت كثير منا؛ علمه من علمه وجهله من جهله!! هذا غيض من فيض!! والعجيب أن الطفل يتحدث عن تلك السلوكات الإجرامية بلسان الفاعل: (قتلتُ، سرقتُ، هدمتُ) وبشعور الفخر والاعتزاز!! في الوقت الذي تظهر مباشرة لوحة الإشادة بفعله هذا على الشاشة التي أمامه والمكافأة عليه أيضاً!! وأصوات التصفيق التي تشعره بالزهو والإنجاز!! وتحفزه لمزيد من الاحترافية في هذا المجال! إن هذا يرسخ في أذهان الأطفال تلك السلبيات وتقوم عليها شخصيته، ولاسيما وأن هذا يحدث على مدى ساعات طويلة في اليوم الواحد، ممتدة لأيام وأشهر وسنوات!! فما ظنك بجيل ينشأ على التباهي بالقتل والتدمير والسرقة؟! ويتوهم- أو هكذا زعموا- أن الجريمة بتغيير مسمياتها تصبح ميزة للشخصية القوية المسيطرة؟؟ عظم أثر ذلك وخطره جعل ثقافات كبرى كالصين واليابان تحظر دخول كثير من الالعاب الالكترونية إلى دولهم. وهي من هي في التطور التقني والبناء القومي. حتى ولو قال بعضهم مُتجوّزاً: إنها مجرد ألعاب!! فالبناء النفسي والسلوكي للطفل يرتكز بدرجة كبيرة على الألعاب!! ولهذا استُحدثت كثير من المناهج التعليمية على مستوى العالم تعتمد أساليب التعليم بالترفيه! دليل على الإيمان واليقين بقوة الأثر التربوي والتعليمي والسلوكي والقيمي الذي تحدثه الألعاب في الأطفال. إن بناء سلوك إيجابي أسهل بكثير من مسح سلوك سلبي اعتاد الطفل عليه لفترات طويلة. وإن ما يُشاهد من ممارسات سلبية من الشباب تهدد الأمن الفكري وتهوي بكثير من مسلّماته ليست وليدة المرحلة العمرية التي يعيشونها؛ ولكنها تراكمات في بنية تحتية تأسست وتشكلت في مراحل سبقتها. إنني من هذا المنبر أوجه رسالة لاستشعار أمانة المسؤولية العظيمة إلى القائمين على المؤسسات التعليمية والتربوية بوجه عام والمهتمين بالبيئة الترفيهية والمتخصصين في الإعلام الأمني بشكل خاص في الجهات ذات العلاقة كالإدارة العامة للأمن الفكري في وزارة الداخلية وكرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- للأمن الفكري وغيرها من جهات الاختصاص بالعناية بهذه الفئة الغالية المؤثرة التي تشكل رقماً ناطقاً مؤثراً في التعداد السكاني للمملكة العربية السعودية. ومن المقترحات في ذلك: تشكيل لجان تربوية متخصصة تُعنى بتأصيل البناء النفسي السليم المستمد من عقيدتنا الإسلامية الراسخة، وأخلاقنا الراقية،وقيمنا وأصالتنا، وجعل ذلك في قوالب متعددة تناسب تلك الفئة بما تحتوية من عناصر الجذب والبناء السليم، والحرص على التجديد والتطوير مع المحافظة على المنهجية والتأصيل. وإنشاء مراكز متخصصة للدراسات التربوية والإعلام الرقمي لإنتاج مواد من أهمها: -رسوم متحركة تبني القيم الصحيحة. -منتجات ورقية :رسوم ، حروف جمل ومقاطع يتم تصميمها وفق منهج شرعي صحيح ورؤية وطنية سليمة. -أفلام وثائقية قصيرة. -ألعاب الكترونية ترتكز على قيم ديننا ومجتمعنا. -أناشيد هادفة . -قصص تربوية ناطقة ومقروءة. -أفلام تعليمية وتربوية وترفيهية . يشارك فيها إلى جانب التربويين والأكاديميين والمتخصصين مجموعة من الناشئة الموهوبين. كما ينبغي التركيز على تعزيز مشاركة التربويين في ملتقيات الأطفال ومدارسهم وفعالياتهم المتنوعة، وتكريم الموهوبين من الناشئة في وسائل الإعلام المختلفة. إن الأطفال ثروة وطنية واعدة ينبغي المحافظة عليها وبناؤها البناء السليم فغداً يصيرون شباباً تُبنى على هممهم المعالي، وبهم يتحقق للأوطان قوة الأمن الفكري الذي تقوم عليه إنجازاتها. فالشباب هم عماد الأمم وصناع الحضارات. سدد الله على الحق الخطى ونفع بكل جهد مخلص وأعاننا جميعاً على ما فيه سداد الأمر والعزيمة على الرشد. إنه ولي ذلك والقادر عليه.