في مؤلفه النقدي (الشِّعار على مختار نقد الأشعار) يُدافع الفقيه الحنبلي نجم الدين سليمان الطوفي (ت 716 ه) عن الشعراء، ويُحاول نفي إحدى أقدم التُهم التي أُلصقت بهم وهي: تُهمة التسوّل أو "الشحاذة" بالشعر كما يُسميها ونُسميها اليوم، ومع أن الطوفي تعرَّض لهذه القضية بشكل سريع وبميل واضح للشعراء ضد خصومهم إلا أن ما يلفت الانتباه في تناوله هو استخدامه لوصف صريح:"شحات"، وإشارته للجانب الشرعي للقضية، ففي سياق موازنته بين الكاتب والشاعر يذهب إلى أن القول بأن الشاعر "شحات" قولٌ باطل "شرعًا وعُرفًا وعَقلاً"، ويواصل توضيحه قائلاً: "أما شَرعًا: فإنّا لا نعتقدُ خلافًا في أن الهاشمي الشاعر يجوز له قبول جائزة الشعر، ولو كانت صدقةً لم تحلَّ له، أو لغضت من منصبه. وفيه نظرٌ لأن المحرم على آل الرسول –عليه السلام- صدقةُ الفرض، وهي الزكاة، وجائزة الشعر ليست كذلك فجاز أن تكون صدقةَ تطوع، وهي غيرُ حرام عليه. وأما عُرفًا وعقلاً:فلأن الصدقة فيهما تخلو من عِوضٍ من جهة الأخذ، وتتضمّن ذُلّهُ وعِزّ المُعطِي، وليس ذلك في جائزة الشعر؛ لأن المدح حيزُ العِوضين، بل هي أشبهُ شيء بالغنيمة، فإن لم تكن فبالهِبة". أبرز ما يُمكن ملاحظته في نفي الطوفي لصفة "شحات" عن الشاعر هو افتراضه عدم وجود "الذِّلة" والخنوع للممدوح في شخصية الشاعر أو في أبيات قصيدته، لذلك لا يصح أن يوصف بالشحاذ، ويرى أن الجائزة التي يُقدمها الممدوح هي هِبة وعوض عن القصيدة، فالشاعر يأخذ ثمن جهده وإبداعه الذي ضمّنه قصيدته خلافًا للشحاذ الذي يأخذ الصدقة دون أي جهد، أو يكون ما يقبضه ثمنًا لتذلله وخنوعه. وافتراض الطوفي عدم وجود الاستذلال في حالة الشاعر جعله يُلامس سطح القضية ولا يغوص إلى عمقها كما فعل سابقه ابن رشيق القيرواني (ت 456 ه) الذي تناول هذه القضية تحت مُسماها الأشهر والأكثر مراعاة لمشاعر الشعراء وهو: "التكسب" بالشعر، انطلاقًا من تاريخ نشأة هذه الظاهرة مع النابغة الذبياني ثم الأعشى الذي "جعل الشعر متجرًا يتجر به"، ومرورًا بزُهير بن أبي سُلمى والحطيئة، ومع أن بعض عبارات ابن رشيق التي يُقررها في هذه القضية قد تبدو صادمة للشعراء الذين "جَشِعُوا فخشعُوا" لشدة صرامتها، كقوله: "كانت الشعراء ترى الأخذ ممن دون الملوك عارًا، فضلاً عن العامة وأطراف الناس"، إلا أنه من السهل علينا استنباط أبرز الحدود الفاصلة التي نستطيع من خلالها تمييز الشاعر من الشحاذ. من مُتابعتي للعديد من اللقاءات الفضائية التي تُجرى مع الشعراء الشعبيين لاحظت بأن كثيرا منهم يجدون صعوبة في تمييز موقعهم الصحيح، وهل هم في قائمة الشعراء أم في قائمة المتسولين، لذلك أرى بأنه من المناسب أن أقوم باستكمال الحديث عن الحدود الفاصلة بين الشاعر والشحاذ في ضوء آراء ابن رشيق في الأسبوع القادم بإذن الله. أخيرًا يقول عبد الرحمن مازن: قل للسهر لي عام ما جبت لي خير مع ذكريات ودمع عين ومواجع في سيرة اللي غير، وقبالته غير وأنا أدري انه صد ماهوب راجع