من النادر أن تتمتع اقتصاديات أي دولة حول العالم بكافة الثروات والمصادر اللازمة لقيام وتنشيط كافة أوجه النشاطات الصناعية والتجارية والمالية والزراعية...الخ، وقد قامت غالبية النظريات الاقتصادية على مبدأ الندرة النسبية للموارد وقابليتها للنفاذ في وقت ما، الأمر الذي فرض آليات ووسائل محددة للتعامل مع تلك الثروات بشكل يضمن تحقيق أعلى عائد ممكن وعند أدنى مستوى من المخاطر والتأثيرات على البيئة الاقتصادية والاجتماعية والمناخية...الخ، وكان لتسارع التطورات العمرانية والصناعية تأثيرات ايجابية على آليات استغلال الموارد والثروات المتاحة وذلك في إطار رفع كفاء الاستغلال وترشيد الاستهلاك، في حين يسير العرض وفق آليات عمل المتوالية العددية ومن هنا بدأت الفجوة بالظهور بين الارتفاع الكبير المسجل على السكان ومستوى الإنتاج ليلبي كافة أشكال الطلب كما ونوعا وفي الوقت المناسب، في المقابل كان لتلك التطورات تأثيرات سلبية دائمة على المصادر كون أن التطور المسجل كان أسرع بكثير من قدرة تلك المصادر على النمو، وبالتالي الدخول في تسارع للطلب على شكل متوالية هندسية والتوسع الكبير الحاصل على التمدد العمراني وبين المصادر المتاحة من المياه والطاقة، وساهم الارتفاع على مستوى المعيشة والوصول إلى مستويات الرفاهية لدى بعض المجتمعات إلى تعميق تلك الفجوة. وأشار تقرير المزايا القابضة إلى أن المشاريع العقارية لدى دول مجلس التعاون الخليجي تتحدث عن نفسها في كل وفي كل مكان، ومن السهل مشاهدة تلك التطورات أينما ذهبت وشاهدت، فيما تشير كافة المؤشرات إلى أننا ذاهبون إلى ابعد من ذلك في إطار التوسع العمراني والتجاري والصناعي، حيث يشهد القطاع العقاري تطورات نوعية تتصل بالتحول إلى مشاريع المدن المتكاملة وليس المشاريع المتكاملة، وتظهر البيانات المتداولة لدى القطاع العقاري إلى أن المشاريع العقارية تحت الإنشاء لدى دولة الإمارات العربية المتحدة ستصل إلى ما يزيد على 70 مليار دولار، فيما يتوقع أن تصل قيم المشاريع العقارية لدى قطر إلى 35 مليار ريال خلال السنوات الخمس القادمة، وان حجم السوق العقاري لدى المملكة العربية السعودية يصل إلى 1.3 تريليون ريال حيث يصنف السوق العقاري لدى المملكة بأنه الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، فيما يتوقع أن يصل حجم السوق إلى 1.5 تريليون خلال السنوات القادمة نظرا لارتفاع معدلات الطلب من قبل المستخدم النهائي والمستثمرين، وبالتالي ستشكل هذه المشاريع ضغوطا إضافية على مصادر المياه والطاقة المتوفرة وستشكل ضغوطا على الموازنات وهياكلها خلال سنوات التنفيذ والتي ستستحوذ على حصة كبيرة من تلك الموازنات، وهذا يتطلب القيام بإعادة تقييم كافة المشاريع من منظور قدرتها على توليد قيم اقتصادية مضافة لدول المنطقة وارتفاع مساهمتها في الناتج القومي الإجمالي بالإضافة إلى مساهمة فاعلة في تنويع مصادر الدخل، وذلك بهدف استعادة نسبة مرتفعة من حجم الاستثمارات، ويؤكد المزايا على ضرورة الأخذ بكافة المعايير والاشتراطات والمتطلبات التي تستهدف رفع كفاءة استهلاك الطاقة والمياه وتأخذ بالاعتبار متطلبات البيئة والاستدامة على كافة المشاريع الحالية والقادمة دون استثناء. ووفقا لتقرير المزايا فقد شهدت عمليات البناء والتشطيب تطورات كثيرة وهامة، ليشكل البحث في اعتماد كود البناء الخليجي والذي يصب في صالح توسيع مفهوم المباني المستدامة، ذلك أن هناك توجها عالميا بخصوص تطور مواصفات البناء ليأخذ المعايير البيئية بالاعتبار على مستوى الإضاءة المثلى للطاقة وآليات إدارة النفايات المنزلية والصرف الصحي والمباني الخضراء وتطوير المرافق والمعايير الهيكلية العمرانية والاشتراطات التنظيمية، وبات من المؤكد أن اعتماد الكود الخليجي سيعمل على دعم النشاطات العمرانية الحالية والقادمة، فيما تتطلع كافة الأطراف إلى اعتماد الاستراتيجية العمرانية الخليجية الموحدة، في المقابل فان هناك نسبة مرتفعة من المدن والمشاريع العقارية التي تنقذها خلال الفترة الماضية تفتقر لمثل هذه المعايير وان عملية إعادة تأهيلها ستأخذ المزيد من الوقت والجهد والمال ولن تصل إلى مستوى الكفاءة الممكن الوصل لدى المشاريع الجديدة، الأمر الذي يعني البقاء بعيدا عن معايير الكفاءة في استغلال مصادر المياه والطاقة. وأشار تقرير المزايا إلى ضخامة المشاريع والخطط الموجهة نحو تحلية المياه لدى دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تشير البيانات إلى ترسية عقود تحلية خلال العام 2013 بقيمة 2.7 مليار دولار، فيما يتوقع أن تنفق دول المجلس ما يقارب 11.7 مليار دولار على إنشاء وتوسيع محطات تحلية المياه خلال السنوات الخمسة القادمة، وتحتاج المملكة العربية السعودية إلى استثمار 300 مليار ريال حتى العام 2025، لمواجهة الطلب على المياه الذي ينمو بمعدل ما بين 8% و10% على أساس سنوي، وهذا يعكس حجم الاستهلاك الحالي وحجم الطلب المتوقع خلال السنوات القليلة القادمة واعتماد غالبية دول مجلس التعاون على تحلية المياه لإنتاج ما يقارب 90% من مياه الشرب وبالتالي لا بد من إيجاد حلول أكثر ديمومة على مستوى توفير مصادر المياه والطاقة وبنفس الوقت الحفاظ عليها من خلال ضبط وترشيد الاستهلاك، ويقول المزايا أن للاختلاف الكبير على ثقافات وخلفيات المقيمين لدى دول المجلس وانتمائهم لبلدان ودول تختلف فيها الأولويات بالإضافة إلى طبيعة الاستهداف ذات العلاقة بالنشاطات الاستثمارية وبشكل خاص الاستثمارات العقارية والسياحية من شأنها أن تعمق حجم المشكلة الحاصلة على مصادر المياه والطاقة، ذلك أن من المستبعد على القادمين من أوروبا على سبيل المثال والتي تتمتع بوفرة مائية هائلة التقييد بالشروط والمتطلبات المحلية لكل دولة للترشيد وضبط الاستهلاك من المياه والطاقة، اخذين بعين الاعتبار أن هذه الفئة تتركز في قطاع العقارات الفاخرة. وأكد التقرير على ضرورة الاتجاه نحو إجراءات أكثر صرامة وفاعلية في إطار ضبط وترشيد الاستهلاك باستخدام كافة الطرق المتاحة، وذلك لتحقيق نتائج ملموسة على الأرض وبشكل مباشر ودائم، يذكر هنا أن استهلاك القطاع السكني لدى دولة الإمارات يصل إلى 35% من استهلاك الكهرباء فيما يستحوذ القطاع التجاري بكافة مكوناته على 32%من الاستهلاك، وبالتالي تشكل هذه القطاعات النسبة الأكبر من الطلب على الكهرباء والماء أيضا لتصل إجمالي التكلفة السنوية لإنتاج الماء والكهرباء إلى 35 مليار درهم وان استهلاك الفرد في الدولة وصل إلى ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، في المقابل فان الاستهلاك اليومي للمملكة العربية السعودية خلال النصف الأول من العام الحالي من النفط ارتفع ليصل إلى حدود 2 مليون برميل يوميا وبنسبة زيادة 31% مقارنة بمستواه خلال نفس الفترة من العام الماضي، يأتي ذلك نتيجة زيادة استخدام النفط في توليد الطاقة الكهربائية ومتطلبات النمو الاقتصادي المستهدف لدى المملكة، وبالتالي بات لزاما على دول المنطقة إيجاد حلول مستدامة لتحقيق الأمن المائي وأمن الطاقة نظرا لاستمرار عملية الاستنزاف لمخزوناتها والتي ترافقت مع النمو والتوسع العمراني وازدياد عدد السكان، وسيشكل نجاح خطط الربط المائي والكهربائي لدى الدول الخليجية قفزة نوعية في إطار تلبية الطلب الحالي والمتوقع وتحقيق مستوى مرتفع من كفاءة الاستهلاك والحفاظ على الموارد والثروات وتعظيم العوائد.