هذا المجتمع الذي نحن جزء منه ، والذي يشكل في عمومه الجسد الحي المتدفقة في شرايينه دماء الحياة ، هو في الواقع لحمتنا و ونحن بكل أطياف المجتمع نسيجه العام، نشكل في تقاربنا وتلاقينا خيوطه المتماسكة ، كما يشكل إحساسنا به وشعورنا بأهميته، القلب الذي يحمل الود وينبض بالولاء والارتباط . هذا المجتمع عريق على أرضه عاش فوق تربة وطنه سنوات اثر سنوات . عمر ممتد وتطلع متفائل مديد وتاريخ طويل أصيل، تعاقبت عبره أجيال وراءها أجيال حتى بدت شجرة المجتمع المورقة في فضاءاته وسمائه ذات جذور تضرب في عمق تربته ثابتة ثبوت جباله وغراس نخيله . سكنت روح الإخاء والتآخي جميع مفاصله، حتى في حال النزاعات ذات المنشأ الاقتصادي الذي يتسبب فيه الجفاف وقلة الموارد أو أسباب أخرى، فالحياة الطيبة والتلاقي وروح المحبة تعود سريعا إليه ويبقى حياً بها، له صفة المجتمع الخلوق المتقارب الذي من أهم عناوين تفاعله مع غيره تلك الحميمية و وذلك الإخاء. بلادنا اليوم تترامى في مساحة شاسعة تشكل شبه قارة، لها نظرة وتخطيط قريب وتطلع بعيد كما لها مكانتها العالمية، وكما توحدت بالجهد والمخاطرة هي الآن تعيش التضحية نفسها فالتأسيس مستمر والتطوير متواصل، من أجل المحافظة على تلك المكانة، فإرادة البناء لا تتوقف عند مرحلة، ولا يمكن أن نقول وصلنا مادام لنا طموح وتطلع أبعد، فالطريق لا ينتهي والعوارض كثيرة والعوائق أيضا تتجدد وتستنزف الكثير من الجهد والمال، وبالتالي لابد من تضحية تجاه الوطن والمجتمع، ولكل زمن ظروفه ومتطلباته، وإثبات الوطنية ( حب الأرض والدفاع عنها ، والتعاون مع المجتمع والحرص عليه ، وبذل الجهد في رقيه ) لا يأتي بالأقوال فقط ولا بالشعارات وإنما تتحقق الوطنية بالأفعال والإخلاص . والمملكة العربية السعودية أرض ومجتمع تختلف عن غيرها من البلدان وإن اتفقت معها في ضرورة المحافظة على الوطن والذود عنه وحمايته باعتبار ذلك حمية وواجباً وطنياً يتشرف به كل مواطن وعلى أي أرض في العالم ، إلا أن الدفاع والولاء لبلاد تحتضن المقدسات الإسلامية وقبلة المسلمين أمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا كمسلمين ، والدفاع عنها وحمايتها جهاد فعلي يهدف إلى أن تبقى راية التوحيد مرفوعة والأرض آمنة مصانة، والعمل على نصرة وطن يمثل قبلة ومقصد كل مسلم ليس مشابها لوطنية أخرى . لقد ورث أجدادنا ونحن من بعدهم وطنية صادقة تفوق المحافظة على الثروة المادية أو مجرد الصراع من أجل أرض ومكسب مادي ، لما يدركونه من مسؤولية تقوم بها هذه الدولة وهذا الوطن تجاه الإسلام و مقدسات المسلمين . تأسس هذا الكيان على عهد ووعد واتفاق على أن تعاضد اليد اليد والسواعد بعضها من أجل الدين وحفظه ، ابتداء من اتفاق الدرعية عام 1157ه. وهو اتفاق إعزاز ونصرة ، وهو أيضا رسم طريق لكي ينهض مجتمع لم يكن فيما مضى ينضوي تحت حماية دولة تجمع متفرقه ، وتجعله في مواجهة الأخطار من حوله. فكان القرآن الكريم دستوره وعلى نهجه نهض هذا الكيان لبنة لبنة، والصعاب كثيرة ، لكن سبحان من يسر الأمور ، وفتح الطريق نحو الوحدة . وها هي المملكة اليوم توحدت من خليجها إلى بحرها ومن شامها إلى يمنها بتوفيق من الله لقائد أراد الله له أن يكون اسمه في مقدمة نهضتها الحالية وصفحة من صفحات تاريخها، وهو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، رحمه الله، فقد توفي وقد أرسى دعائم النهضة لدولة ذات موارد والأمن يشمل أرجاءها وكل الخدمات مهيأة لمن يساهم في مسيرة البناء والتطور، توفي وقد رأى ثمرة كفاحه وصارت البلاد أمانة في عنق من بعده حاكما ومحكوما. واستقرار بلاد بمثل هذه المساحة الشاسعة بعد أن كانت مضطربة، أمر مهم في نشر التفاؤل والشعور بالاطمئنان والبحث عن فرص الرزق وتحسن المعيشة ، وهذا ما حصل بالفعل . كانت القرى في وقت التفرق وقبل الوحدة وقيام الدولة تعاني كثيرا من المناوشات والاعتداءات المتكررة، فاضطرت لحماية نفسها من خلال تحصنها بأسوار طينية أو حجرية من أجل حماية الأرواح من هجوم مباغت، حتى أن هذه القرى لا يسمح لأحد بدخولها إلا من بوابات مخصصة تغلق في الغالب ليلا، لكن تلك الأسوار عجزت عن حماية اقتصادها حيث المزارع والمراعي والتجارة والأسفار والتنقل، ولا تعطي لسكانها حرية التنقل والعمل في مصالح متعددة ، كما أن الأسفار مخيفة، والطرق منقطعة. وبعد أن توحدت الجزيرة العربية شاع الأمن وذاع وعم البلدان والبرية ، وأمنت السبل واطمئن المسافر وتحرك الاقتصاد وازدهرت التجارة ، وأخذ على يد الظالم، ولله الحمد، وكسرت البلدان الطوق الذي كان يقفل عليها قرية قرية في تفرق وتجزئة أضعفت الجميع. واجتمعت في كيان واحد من طرفها إلى طرفها في العهد السعودي مبشرة بغد مشرق. هذا الاجتماع الواحد ذكره الشعراء والأدباء وشكره العامة والخاصة وبقيت البلاد ولله الحمد في ظل التوحيد الممتد على أرضها المظلل على شعبها. ومن الأشعار في هذا الشأن ما قاله الشاعر مشعل بن صنت العصيمي قلب الجزيرة وطنا والعلم عالي والراس مرفوع والعزوة سعودية أرض بها قبلة الإسلام والغالي نبينا المصطفى خير البشَريه قبل الموحد عليها ميل وخلالي تلبس لبوس الجهل مع كل طرقيه لكنها تلتفت في شبل الأبطالي تبغَ رموز الفخر والعين نجديه تنظر لعبدالعزيز معرب الخالي يرقى بها في المعالي صافي النيه لوكان منها يقاسي بعض الاحوالي غادر جباها و له نظرات مخفيه يم الكويت انتحى ويخيل الأقذالي عينه على ماكره وطويق بشفيه ثم عاد واللي معه رجلي وخيالي ستين لحيه من الأخيار منقيه الله نصرنا بنَصرة طيب الفالي أقام دوله بها الأوضاع مرضيه من غربها للجنوب وشرق و شمالي زاد البناء في المجالات العمومية ولأجدادنا مواقف يحمدون عليها وهي كثيرة وأولها حرصهم على تماسك المجتمع و تحقيق وطنيتهم بالأفعال والإخلاص وصدق العمل حبا وولاء ، وإن كانوا لم يسموا تلك الأعمال وطنية، إنما استشعروها، فهي نابعة من ولاء حقيقي، ودوما نسمع ونقرأ من أقوالهم : الجماعة والأهل والبلد والديرة، أو جماعتنا وبلدنا، وهي تعني مصطلحات وطنية تربطهم بالأرض والمجتمع وتعمق فيهم الروابط الطيبة وروح الولاء لبعضهم بكل محبة . ومن القصائد الوطنية ما قاله الشاعر الشيخ محمد بن ابراهيم الوافي في هذه البلاد مشيدا بمنجزات المؤسس مؤكدا على المعاني الوطنية حيث يقول : راية الإسلام بالعز منصورة ودولة التوحيد بظلال قايدها شرعنا الإسلام من عهد اخو نوره البلاد اللي على الشرع وحدها من بحر جده إلى رأس تنوره ومن ورا الخرخير لطريف وحدها الإمام اللي مساعيه مشكورة سيرة المختار جاهد وجددها يالله انك تسقي العود وقبوره وأحفظ الباقين في عز و أيدها أسرة في نصر الإسلام مشهورة السعود الله بنصره يساعدها يا ذرا الشعب السعودي ويا سوره الولاية والعهد لك نجددها يا البلاد اللي على الخير مفطورة ما احد ينكر جهودك ويجحدها اسمها يعرف على كل معمورة حاكم كل المشاريع شيدها نهضة بالمملكة صارت أسطورة والمعارف صار بالعلم رايدها المعارف أول إنتاج باكورة بصمته في كل حاجه تقلدها في سماء مكة وطيبه طلع نوره شامخ في خدمة الدين يحمدها دارنا في كل الأقطار مذكورة وكل مسلم يحترمها ويقصدها ما أحد سوى سواته ولا دوره سيرته بالخير كل يرددها أمرنا شورى وراضين في شوره ومملكتنا في ولانا نعاهدها من نوى تخريبها تقصر شبورة يحترق في نارنا اللي يهددها من يجرب حربنا يقصد شعوره والله انه لو سلم ما تعودها