في سجل التاريخ للأمم والشعوب، ومن هذه الذكريات ما يخلده التاريخ عبر العصور، وتظل أيام المجد في أعمار الأمم نبراساً وشموساً ساطعة تُسْتَلهم منها العِبَرُ، وتُسْتَمَدَّ منها العزائم، وتزهو بها الشعوب.. ونحن في هذا الوطن الغالي لنا من هذه الأيام نصيب حينما يظللنا الأول من برج الميزان من كل عام حيث تُطل علينا ذكرى يوم توحيد هذا الوطن على يد المؤسس والموحد – غفر الله له – وهي ذكرىً ترمز إلى وحدة هذه البلاد، وتعكس تلك الجهود الموشحة بالإيمان والصبر والعزيمة التي تحلى بها المؤسس ورجاله المخلصون.. فالكل منهم عاشق لتراب هذا الوطن.. وقد عَزَّ عليهم ما هو فيه من إحَنٍ، وتفرق، وشظف عيش. فنذروا أنفسهم لتوحيد هذه الأقاليم تدفعهم همم الرجال العالية، وعزائم المصلحين السامية.. ولأن الأهداف نبيلة، والنوايا حسنة، كان التوفيق من الله حليفهم.. تُظِلُّهم رحمات مباركة، وتُقِلُّهم دعوات صالحة.. خَلَتْ فتوحاتهم من السبي أو الأسر أو الغُنْم لأنهم في وطنهم وبين أهليهم.. فلم يروعوا شيخاً أو امرأة ولا طفلاً.. مستشعرين مسؤولياتهم تجاه أهليهم وذويهم ووطنهم.. وإذا كانت عين التاريخ ترصد هذا الحدث بملامحه وبطولاته فإن الشعوب من حواليه ترقب هذه التضحيات وتلك الهمم التي تُبذل في سبيل الدين والوطن. ومن المؤكد فإن تحقيق حُلُمَ هذه الوحدة الوطنية التي كانت في يوم من الأيام هاجس أولئك الرجال لم تكن عملاً تلقائياً وليد الصدفة، وإنما هو ملحمة تاريخية استمرت عقوداً من الزمن صنعها الإخلاص والوفاء، وسطرتها التضحيات.. وإن عظمة هذا الإنجاز التاريخي الذي تحقق لهذا الوطن تبدو جليَّةً واضحة بمقارنة هذا الواقع الفعلي الذي نعيشه في واقعنا الحاضر في هذا الوطن بما فيه من مظاهر النماء والرخاء والأمن والأمان ورغد العيش مع واقع هذا الوطن لو لم تتحد أقاليمه في ظل ظروفها المناخية والجغرافية ومواردها الطبيعية.. إن تَخَيُّلَنا لهذه المقارنة بعناصرها كفيل بإدراكنا لعظمة هذا الإنجاز. وإذا كان يحق لنا أن نفخر بهذا العطاء ونزهو بذلك الإنجاز فإنه لزاماً علينا كجيل نعيش الحاضر وننعم بمعطياته أن نحافظ على مكتسبات هذا الوطن، وأن نذود عن وحدته ومقدراته بالروح والدم والمال، وأن نأخذ على يد كل مارق يحاول الإساءة لهذا الوطن أو إهدار مقدراته ومكتسباته غير عابئ بأنفس بريئه ولا مكترث بأموال مُصَانَة.. هذا الالتزام إنما يعيه أولو الألباب.. أما من تغافل عنه، أو تعامى عنه، وتجاهله، أو تقاعس عنه فإنه والله لغيره أضيع ولنفسه أظل.. وحري بنا ونحن نعيش هذه الذكرى أن نستلهم العبر، وأن نعي الدرس في سبيل وحدة هذا الوطن ليس تراباً فقط وإنما أيضاَ أفكاراً ومبادئ.. فلا غير هذا الدين القويم نبتغي، ولا لغير هذا الوطن ننتمي.. ولن نستمع لناعق يهذي قلبه مليءٌ بالحقد الدفين، ولن تخيفنا الأقلام الحاقدة، ولا الأصوات الحاسدة.. فالله حسيبنا وهو نعم المولى ونعم النصير.. وسيظل هذا الوطن متحداً في معتقده ومجتمعه عزيزاً في اقتصاده منتصراً في دينه ولو كره الكارهون.. وستظل هذه الذكرى المجيدة محل تقدير أبناء هذا الوطن جيلاً بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ودمت يا وطني في حفظ الله ورعايته. * وكيل إمارة منطقة القصيم للشؤون الأمنية