يرفض الكثير من المراقبين والاستراتيجيين فكرة المؤامرة ويرون فيها حيلة عاجز خانته موضوعيته عن رؤية القضايا بعين محايدة تفسر ماترى ولا تطلق احكاما عليها ، وهذا الرفض يجعلنا نتجه نحو خطاب هؤلاء الاستراتيجيين للبحث به عن سبب الاحداث وآثارها، وقضيتنا اليوم هي الحرب على داعش وجمع الولاياتالمتحدةالامريكية اربعين دولة للمشاركة في تلك الحرب، بكل بساطة يقول هؤلاء المحللون الموضوعيون ان داعش جماعة ارهابية تشكل خطرا مؤكدا على كل دول العالم وتمول نفسها ذاتيا، وواشنطن تريد ان تقطع عليها الطريق بارادة دولية لا تجتمع الا بمثل هذا الاحداث. الاعتراض ليس على محاربة داعش فهؤلاء الناس لاسبيل لمنع شرهم الا بضربة عسكرية تخلص الابرياء منهم، ويبقى الاعتراض على طبيعة صناعة القرار الامريكي لضرب داعش الذي جاء معاندا لكل من رأى ان واشنطن تقف وراء وجود داعش وتسهل بقاءه في المنطقة لكي تستطيع ان تدير احداث المنطقة برؤية سياسية تحول نهايات الحدث الى مراحل لا نهاية لها، مثل معالجتها لارهاب القاعدة في افغانستانوالعراق واليمن، فقد اعطت تلك السياسة للارهاب وجودا لا يستطيع تحقيقه الا بتلك السياسة التي لا تتدخل في اجتثاث الارهاب الا بعد تحريكه لمراكز نفوذ ومصالح جديدة، تعقد الوصول اليها بأدوات سياسية سلمية، ولذلك يبقى خيار جماعات العنف هو الخيار الوحيد المستخدم لكي تبقى الاحداث مفتوحة التوقيت والاحتمالات. الخبراء العسكريون الذين وصلوا العراق لتحليل الاحداث على الارض الواقع كان وصولهم متزامنا مع دخول داعش للانبار الذين اعلنوا منها توجههم الى بغداد وتحركت مجموعات منهم نحوها، فكيف تغير الهدف والجهة الى الشمال؟ وطرد المسيحيين وتشريد اليزيديين وقتلهم، وقبل ذلك هل كان انسحاب جيش المالكي من المواجهة مع داعش ضمن استراتيجية محاربة الارهاب، أو تهريبهم قبل عام من سجون المالكي كان ضمن تلك الاستراتيجية ؟ هذه تساؤلات منطقية وليست فكر مؤامرة والاجابة عليها سوف تعري طرفاً أمام طرف. ان كانت تلك السياسات ليست مؤامرة، وجاءت استجابة لوضع متغير ومزدحم بالكوارث فانها لا تخرج عن كونها سياسات غبية، فاعطاء الخصم شرعية وجود لا يستحقها ومن ثم تتحرك لسحبها منه يعد عملا غير واع، ويحصد الاستقرار كحصد داعش لرؤوس الابرياء.. المملكة قدمت حلا منذ اكثر من عشر سنوات لمعالجة قضية الارهاب بشكل كلي فكريا وماليا وعسكريا، الا ان تخاذل بعض الدول الكبيرة احبطت الكثير من جهود المملكة في محاربة الارهاب، السياسة السعودية نحو الارهاب حددته تعريفا يصف اعماله ويشير بكل عدالة لجهاته من هذه الجهات القاعدة وحزب الله وجميع من تفرع عنهما أو شاركهما الفكر، فمحاربة الارهاب قبل ان تكون سياسة يجب ان تكون اخلاقا يحترم فيها كرامات الناس وجهود الدول التي حرصت على معالجة الارهاب بعدل وانسانية، حتى لا نفسر القرار الامريكي بمقولة المفكر الامريكي نعوم تشومسكي: «فالحدث يدخل التاريخ عندما يرتكب ضد الولاياتالمتحدة وليس عندما ترتكبه الولاياتالمتحدة».