يحكى أن أحد الوجهاء، كان يملك مزرعة ضخمة واسعة، تنتج غلة وفيرة، وخيراً كثيراً، مما أكسبها شهرة بين جميع المزارع في البلد.. غير أن المزرعة لم تكن تسلم من الرعاة، وأغنامهم، فكان الرعاة يتحينون الفرصة، ويتغافلون مالك المزرعة فيطلقون أغنامهم، لترتع في الزرع، وتعبث بالمحصول.. فلم يجد مالك المزرعة بداً من أن يعين حارساً يحمي المزرعة ويطارد الرعاة وأغنامهم طيلة النهار.. وجيء بالحارس أو "الحامي" كما أطلقوا عليه فأخذ يعمل بهمة ونشاط، وأظهر براعة في صد غارات الأغنام، فراح يجري من هنا ومن هناك، يطرد هذا الراعي، ويبعد ذاك القطيع، يطردها حيناً بالعصا وبالحجارة أحياناً أخرى.. كان يريد أن يثبت أنه رجل حريص، ويعمل بصدق وأمانة.. ولقد استطاع، بهمته تلك أن يحمي المزرعة، ليس من الأغنام فقط، بل من كل الدواب مثل الثعالب، وبنات آوى..!! وقد تكاثر خير المزرعة، ووفر إنتاجها، حتى أيقن مالكها وكثير من الناس، أيقنوا من أن غلتها سوف تبلغ مبلغاً لم تبلغه من قبل، وأن خيراتها ستشمل بلدته، والبلدان المجاورة الأخرى.. غير أنه في ذات يوم، وحينما كان "الحامي" يعمل بهمة وحرص، وبينما كان عمله يسير على قدم وساق كما يقولون.. إذ به يفاجأ بمجموعة من الإبل الهاملة، الهائجة، والتي حين لاح لها منظر الزروع، تراكضت نحوها يقودها جمل صائل، وعندما حاول منعه رفسه، ورمحه211 رمحة طوحت به بعيداً، فاجتاحت الجمال المزرعة في عنف وهياج، وراحت تعثو فساداً وتخريباً، تأكل من هنا، وتدوس هنا وتبرك، وتتمرغ، كما تشاء حتى أحالت كثيراً من أجزاء المزرعة إلى بلاقع جرداء..!! وأسقط في يد "الحامي" المسكين وظل يقلب كفيه حسرة على ما آلت إليه المزرعة، وقد اعتراه هم، وغم، وخوف.. ولما علم المالك غضب غضباً شديداً واستدعاه، فدخل عليه وهو يعرج من ركلة الجمل الصائل.. كان المسكين خائفاً وجلاً مذعوراً يتمنى الخلاص، ويخشى العقاب.. فلما مثل بين يدي المالك انتهره وقال: ويلك!! أينك، وأين كنت عندما أغارت الجمال..؟ كيف تركتها تعثو فساداً في مزرعتي، وقد أوكلتك حمايتها والذود عنها..؟ أين الأمانة.. أين "النزاهة" في العمل؟.. كيف غفلت عنها.؟ تمتم المسكين قليلاً، وأخذته رعدة من الخوف، والوجل، وقال: والله يا سيدي ما غفلت ولا تهاونت، ولقد كنت موجوداً.. ولكن الجمال غلبتني على أمري، وها أنت تراني أعرج من رفسة ذلك الجمل الصائل الخبيث.! ثم انك يا سيدي جعلتني "حامياً" أطرد الخراف، والمعيز، وما دونها.. أما الجمال الهائجة الصائلة فأنت تعلم رعاك الله أنه لا طاقة لي بها ولا قدرة لي عليها حتى لو كنت ذئباً أطلس.. تبادلا النظرات..!! ثم ساد صمت بين الاثنين..!!