يتخفى البعض لأن في التخفي نجاة من قول الحقيقة وطريق للهروب من المواقف الصعبة التي يكره المرء أن يدخل فيها فيكلفه ذلك شجاعة لا يستطيع أن يدفع ثمنها في حين يتخفى المبدع والمثقف لأنه يرغب في أن يقول الحقيقة بتجرد دون أن يوقفه أحد، يتخفى المبدعون لأن في الخفاء وسيلة جيدة لأن يقولوا كل مايشتهو أن يقولونه دون أن يكون هناك من يترصد أسباب آرائهم.. وخلف الكثير من الأسماء المستعارة خرجت الكثير من الآراء الصادمة، القوية التي غيرت شعوب، خلف الأسماء المستعارة كان هناك دائما صوت خفي ينكش اهتمام القراء ليسألوا باهتمام شديد.. من هذا؟ وخلف الأسماء المستعارة كم بكى البعض، وكم عشق البعض، وكم انتقد البعض، وكم طرح البعض قضاياه بتجرد شديد.. ودائما كان هناك خلف الأسماء المستعارة في المشهد الثقافي "حكاية"، فلماذا يتخفى الكثير منهم خلف أسماء وهمية؟ ويجربوا أن يدخلوا غرفة التنكر ليظهروا في كتابة متجردة وفي ذات الوقت تحاك في الخفاء.. كتب الكثير من الكتاب خلف أسماء مستعارة ليخرجوا من سطوة الأحكام الاجتماعية الجامدة وهروبا من المحاكمة السياسية، فمن خلف الاسم المستعار كان الكاتب يتحدث عن القضايا الشائكة ولأن هناك من الكتاب من كان مسؤؤل أو سياسي أو أمير أو دبلوماسي فكان يجب أن تكون هناك " طاقية " إخفاء يرتديها حتى يكتب بحرية شديدة، في الوقت الذي اختارت بعض النساء من المبدعات والكاتبات أسماء رجالية حتى تتخفى خلفها خوفا من المجتمع في فترة كانت فيها المرأة تنتقد حينما تكتب بجرأة عالية سواء عن الحب أو الرجل أو عن المرأة نفسها، وفي مقابل ذلك خرجت أسماء عديدة لنساء كن في الحقيقة أسماء مستعارة لشخصيات رجالية فضلت أن تكتب بإسم الأنثى حتى تقترب أكثر من ذائقة الشرائح المختلفة خاصة السيدات.. وفي تلك الدائرة كان "الاسم المستعار" المحرك لجميع الدوافع التي استمرت في الظهور حتى كشف عن بعضها النقاب فكانت هناك العديد من المفاجآت خلف ذلك التستر. فمنذ القدم عرف بعض الشعراء العرب بألقابهم ومن وراء ذلك قصص كثيرة وغريبة في ذات الوقت فلم يكن التخفي خلف الاسم المستعار ظاهرة جديدة في وقتنا الحديث.. فعلى سبيل المثال "المهلهل" وهو لقب للشاعر عدي بن ربيعة بن الحارث الذي سمي بذلك لأنه كان يلبس الثياب المهلهلة، أما الفرزدق فهو لقب للشاعر هشام بن غالب التميمي ولقب بالفرزدق لضخامة وتهج وجهه، ويعود لقب المتنبي للشاعر أحمد بن حسين أبو الطيب الجعفي الكندي حين أدعى النبوة وتبعه الكثير من الناس من بني كلب. ومن أشهر الألقاب في العصر الحديث "بدوي الجبل" ويخص الشاعر السوري محمد سلمان الأحمد الذي يعد واحدا من أعلام الشعر العربي الحديث والذي حقق تجربته الكلاسيكية في التوازن بين الخيال والفكر. أما الأديبة الفرنسية مانتين أورو لويسل بارونه دودافان فهي المرأة التي كتبت باسم الرجل "جورج ساند" ولقبت بروائية الأرياف، كما كتب محمد بشير أحمد الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية السودانية مقالا يعترف فيه بأنه هو الذي كان يختبئ وراء اسم "عبدالعزيز حسن الصاوي" طوال ربع قرن من الكتابة حول القضايا الفكرية والسياسية. كما كتب غسان كنفاني مقالات باسم "فارس فارس" في حين فضل بعض الكتاب الكتابة باسم امرأة كما كتب إحسان عبدالقدوس مئات المقالات الموجة للمرأة تحت توقيع "زوجة أحمد". ولما ذاع السر أصدرها في كتاب تحمل التسمية نفسها. كذلك كتب أنسي الحاج بإسم "سراب العارف" وكتب فؤاد حداد بإسم "أبو الحن". إن من حاول أن يكتب خلف أسماء مستعارة وقد استطاع رغم ذلك الغموض أن يصل إلى عقول وقلوب الملايين فهو بلا شك قادر أن يعبر العتمة لأنه يكتب في الظلام دون ضوء وثمة مايكتبه ومايمكن أن يخرج من ذلك الظلام ليشكل النور في قلوب القراء، وذلك مايجعلنا نحب بعض الأسماء المستعارة وننادي بها حتى بعد أن تنكشف شخصياتها وتعرف بأسمائها الحقيقية، فليس المهم أن يكون هناك قلم يكتب الظلام فالأهم دائما أن يكون هناك مايمكن أن يسمع ويحس ويؤثر في الضوء وبرغم كل شيء فإن الحقيقة تكمن في أن للأسماء المستعارة إغراء عجيب يلفت الأنظار إليها ربما كان ذلك قديما بشكل أكبر، حينما كانت الكلمة التي تكتب مؤثرة جدا وصادقة قطعا، ذلك الإغراء دفع الكثيرون لأن يفتشوا عن ماخلف الاسم المستعار وهناك من نسج الخيالات الكبيرة خلف شخصيات معروفه فقط ليعيشوا في لذة الانسياق خلف "إغراء" الاسم المستعار.. المبدعون القدماء والسياسون وبعض الأمراء والكثير من النساء تخفوا خلف العتمة لأن لديهم مايقولونه دون فرض الحصار عليهم، فكيف للمرء أن يصل إلى ذلك المنحنى في حياته بأن يغير من اسمه أو هويته لأنه يرغب بأن يقول مالا يمكن أن يقال دون أن يوجد هناك من يقول له "لا تكتب"؟ وكما هي تجارب من امتهن الكتابة خلف الأسماء المستعارة علينا دائما أن نكتب ماله قيمة كبيرة حتى إن تحول الاسم هنا من اسم لامرأة إلى كتابة يكتبها طائر مهاجر. أو ربما قط جائع.. ورغم كل شيئ فقط علينا أن نكتب وأن نصدق مانكتبه. ليصدقنا الآخرون.