تتطلب قيادة المركبات من القائمين عليها تركيزا ويقظة بالغيْن، تماما مثل كل المهام الدقيقة التي قد ينتج عن عدم إتقانها أضرار مادية أو خسائر بشرية، ولهذا فإن من شروطها صحة وقوة الحواس والوظائف الأساسية للبدن، حيث إن اختلالها أواعتلالها لا يتناسب مع أبسط قواعد الأمان ولا يتمشى مع معايير السلامة والاطمئنان. ومع انتشار وسائل الاتصال المحمولة والتي أصبحت من مقتضيات حياتنا المعاصرة وتلازمنا أينما ذهبنا وحيثما حللنا، ومع توفر الرغبة في إتمام وإنجاز المهام المختلفة من خلالها - ولو حتى من خلف مقود السيارة دون صبر أو تريث - فإن هذا يخل بمعنى القيادة السويّ وقد يؤدي إلى ما لا تحمد عواقبه، أو ما يندم عليه فاعله. الدراسات في هذا الموضوع كثيرة.. فمنذ العام 1997م أظهرت واحدة منها أن مخاطر الحوادث تضاعفت أربع مرات باستخدام الجوال وقت قيادة السيارة (دورية نيو إنجلند الطبية: ص 453 مجلد 336 عام 1997م)، وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية يتسبب إستعمال الهاتف الجوال أثناء قيادة السيارة في ربع أعداد حوادث الطرق هناك (ويبلغ مليونا وثلاث مئة ألف حادث: المعهد القومي الأمريكي للسلامة عام 2011م)، ويرى "مختبر بحوث النقل" بالمملكة المتحدة أن السائقين الذين يتحدثون على الجوال لديهم بطء في التفاعل والاستجابة والوقوف أكثر ممن هم تحت تأثير المسكرات، ويمثل إرسال الرسائل بواسطة الجوال وقت القيادة أعلى درجات الخطورة لما يتطلب ذلك من الانشغال الذهني وانهماك النظر في نص الرسالة بدلا من مراقبة الطريق، ويلي ذلك في الخطورة التحدث على الجوال باستعمال إحدى اليدين ثم يليه الكلام من خلال السماعة. لم تتوقف محاولات إيجاد وسائل لحل هذه المشكلة المميتة أحيانا، وآخر هذه التوصيات ما نشرته المجلة الطبية البريطانية في مقال إفتتاحي (8 فبراير 2014م) حيث أجملت ما يمكن عمله لمواجهة الظاهرة في ثلاثة أمور رئيسية هدفها النهائي هو تشذيب العادات وإيجاد ثقافة جديدة بين جمهور قائدي السيارات، وهي: التوعية والتقنين والتقنية. فالتوعية تشمل حملات نصح وتوجيه والتزام السائق بالسلوك الأمثل عند قيادة السيارة، وذلك على قنوات التلفاز ووسائل التواصل الإجتماعي، وتحذر من مغبة ترك مقود المركبة والانشغال بغير الالتفات للطريق العام. وسن القوانين التي تحاسب المخالفين بعدة وسائل منها الغرامة المالية وسحب رخصة القيادة مؤقتا أو نهائيا عند تكرار المخالفة، ورفع كلفة التأمين لعدم الالتزام بالتعليمات. أما وسائل التقنية المقترحة فتحتوي على بعض الابتكارات (بعض منها متوفر حاليا) مثل وضع برنامج ثابت في الجوال لا يسمح بالرسائل الواردة والصادرة منهاتف السائق من وقت بدء تشغيل السيارة مع السماح لباقي ركاب العربة، أو رد جاهز على المتصل بأن المستقبل مشغول بالقيادة، مع إنشاء أماكن على الطرق الطويلة يلجأ إليها السائقون الراغبون في الإتصال عبر جوالاتهم. وتشدد المجلة الطبية البريطانية على ضرورة التحرك سريعا في مضمار التعامل مع ظاهرة الإنشغال بالتحدث على الجوال أثناء قيادة السيارة لأن تكلفة عدم الانصياع باهظة، ونحن بدورنا ندعو لتعاون الجميع في منظومة السلامة على الطريق لكي تكون القيادة متعة وليست نقمة، فالكل يريد أن يصل إلى مبتغاه سليما صحيحا.