في منتصف أبريل من عام 1960م، قام بيري غوردي الابن بتأسيس شركة الإنتاج الموسيقية موتاون، والتي تعود باسمها إلى ارتباطات لفظية لمدينة ديترويت الأمريكية، ومنذ ذلك الوقت لعبت الموتاون دوراً مؤثراً في الدمج بين الموسيقى الشعبية ذات الأصول العرقية في تلك الحقبة، حتى ظهر لنا ما سيطلق عليه لاحقاً صوت الموتاون، نمط من موسيقى السول مع تأثير البوب المميز والمختلف عن النمط السائد في تلك الفترة، تنوع حتى أصبحت منه تفريعات مثل السايكاداليك سول، وأصناف من البلوز. مرت أغنية "بابا كان رجلاً كثير الترحال" بعدة أطوار لتصبح ما عليه في نسختها الأخيرة، إذ كتبت في الأصل بواسطة أحد أعضاء الموتاون لتكون أغنية رائجة وصلت لقوائم المئة الأفضل في شمال أمريكا، ثم كتبت ونقحت وتم تلحينها بشكل أوسع ومختلف وتم ترشيح فرقة ذا تيمبتيشنز لأدائها، وهو ما تم في أجمل صوره لتكون أفضل أعمال الفرقة، والمسمار الأول في نعشها، لأنها كانت مصدر الخلاف الأول بين أعضاء الفرقة، الذي سيتطور لاحقاً في عمليات انسحاب وعودة استمرت في تاريخ الفرقة حتى وقت لاحق. تتميز هذه الأغنية بشكل رئيسي بالصوت الذي تمثله، لأنها ستؤسس لهذا النوع من الموسيقى الذي سيطلق عليه كما أسلفت السول التخديري، بداية موسيقية كاملة في أربع دقائق إلا بضع ثوان، في بنية لحنية تعتمد على الجيتار المساعد وطبول الهاي هات، التي تضبط مجمل إيقاع الأغنية، أنواع عدة من الجيتار تبدأ في الدخول لدعم اللحن الموسيقي، مع آلات وترية ونحاسية أخرى وبيانو إليكتروني، هذا الاستخدام الواسع للآلات والذي صنع للأغنية شهرتها، أغضب أعضاء الفرقة الذين رأوا فيه إهمالاً لموهبتهم الغنائية، لكن نورمان ويتفيلد كاتب الموتاون الذهبي، أراد بشكل أو بآخر صنع أغنية بالاد خالدة للفرقة. أحد الإشكالات التي تحدثت عنها الأوساط الموسيقية في ذلك الوقت غضب دينيس إدواردز المغني الأول في هذه الأغنية، والذي قيل أنه غضب بسبب تطابق المقطع الأول من القصيدة الغنائية مع والده، إذ تقول الكلمات الافتتاحية "إنه الثالث من سبتمبر، اليوم الذي سأتذكره على الدوام، إنه اليوم الذي مات فيه والدي"، لكن ما يدفع بهذه الفرضية جانباً أن والد إدواردز كما تؤكد السجلات توفي في الثالث من أكتوبر. في مقابلة قديمة اطلعت عليها، يقال إن إدواردز غضب بسبب ضغط ويتفيلد عليه أثناء التسجيل، حيث جعله يعيد التسجيل مراراً حتى فقد إدواردز أعصابه، الظريف في الأمر أن هناك بعض التعليقات التي يوردها المهتمين بالأغنية تقول إن ويتفيلد كان مسروراً بنبرة الغضب الواضحة في صوت إدواردز لأنها هي النبرة التي كان يريدها. كما يجدر بي ذكر أن إيقاع الأغنية وبشكل مثير للاهتمام يستمر في مستوى واحد من نوتة المينور المنخفضة (فلات). كلمات القصيدة الغنائية كما يتضح من العنوان، تدور حول شاب أو مراهق يسأل والدته عن والده الذي أثارت وفاته كماً من التساؤلات في عقله. هناك الكثير من الإشاعات عن والده، والناس يتحدثون عنه في كل مكان بكل سوء، ليس من قبيل الحكم ولكن من قبيل الحزن والتحسر كما نشعر أحياناً، بأن لم يكن يعرف أفضل مما كان يعرف، كان قليل المبالاة، ساذجاً وغراً فيما يخص المال والمسؤولية، لكننا نستشعر أحياناً أيضاً عبثيته وسوء حاله. ثلاثة مقاطع كانت تنتهي بهزة الأم رأسها وأحياناً بعض الدموع لتؤكد في إصرار لا يريد أن يزيد أو يبين أكثر "لقد كان رجلاً كثير الترحال، أينما يضع قبعته فهي منزله، وكل ما تركه لنا عند وفاته وحدة" في جملة تختم بمقطع يحتمل أكثر من ترجمة وتأويل. سريعاً تصدرت الأغنية المرتبة الأولى في كثير من القوائم شمال أمريكا وأنحائها الأخرى، وكانت عصب الألبوم الذي صدر لاحقاً والذي أطلق عليه اسم "في كل الاتجاهات"، ثلاثة جوائز غرامي في عام 1973م، وضغط لوقت الأغنية إلى النصف تقريباً من أجل قنوات الراديو العديدة، كما تمت إعادة توزيع الأغنية وتسجيلها من قبل الكثير من الفنانين في أمريكا مثل جورج مايكل وفيل كولينز وكريج ديفيد، وفي نسخة بيل وولف الشهيرة بنمطها الرقمي فقد قام الفنان الراحل مايكل جاكسون بالغناء في الكورال الخلفي للأغنية. كما قام الفنان الشهير سيل بغناء نسخة جورج مايكل في أداء له طبيعته الخاصة، لتصبح الأغنية هي الأخرى عملاً كثير الترحال من فنان لآخر، في سعي واضح للخلود.