بغض النظر عن أصل تسميتها الجدلي، وعن جذورها التي اختلطت فيها موسيقى الجاز والسول والبلوز، إلا أن موسيقى الفنك وجدت لها موطئ قدم راسخة على أرض الموسيقى الأمريكية، على يد العديد من الفنانين الأفروأمريكيين، حيث يعد ستيفي وندر من أبرزهم، من خلال العديد من الأغاني الشهيرة التي قدمها عبر مسيرته الطويلة التي تبلغ في عامنا هذا الخمسين سنة، عرفه خلالها الجمهور وهو يعزف على البيانو مبتسماً باستغراق موسيقي تام، يعكس ولعه الشديد وتفانيه المعروف في الكتابة والتلحين والأداء. قد يبدو الموضوع المسيطر على هذه الأغنية، متناقضاً مع موسيقى الفنك بشكل عام، ومع مجمل أعمال ستيفي وندر التي تحتشد فيها الثيمات العاطفية ومواضيع التفاؤل الاجتماعية، حيث يسيطر على الأغنية النفس الرؤيوي، وتحتشد فيها جملة من الرموز الدينية، تعكس ثيمة تطهيرية متطرفة، مختلطة بالابتهاج الذي لا يتعارض مع مفهوم نهاية العالم والأخروية، وبخاصة أن شعور الابتهاج بالنهاية والدمار هو الأبرز ليوحنا راوي سفر الرؤيا الشهير والمؤثر في سيل عارم من الأعمال السينمائية والموسيقية والكتب والروايات الغربية. في تركيزنا على فكرة الابتهاج تأتي البنية اللحنية كمصدر أساسي، فهي مكتملة العناصر التي تميز الفنك، الإيقاع والنمط الراقص، لكن على مستوى الكلمات فإنها تصبح مناسبة كطقس تحضيري وتحريضي للانتقال إلى العالم الآخر عبر الانتقال إلى أرض أعلى يصبح فيها المرء مستحقاً للنعيم حيث الإله هو النصير الوحيد كما في الكلمات الأخيرة التي تقفل عليها الأغنية. تفتح الأغنية بمدخل راقص من البيانو المعدل والجيتار المساعد والصنج بتزامن خلفي، حيث يرتفع الإيقاع مع دخول الطبول وسائر الآلات، حيث يستمر الإيقاع على تقسيم ثابت في مقطعين وكورس ثم مقطعين وكورس، ثم الإغلاق على الكورس بأسلوب التلاشي المعتاد في موسيقى الفنك. في الحقيقة ليس هناك ما هو حداثي بشكل انتقالي على صعيد البنية اللحنية، إلا أن توزيع الأغنية وتظافر الآلات في خلق الإيقاع المميز هي أبرز ما في بنيتها، وهو ما يجعلها ذات مزاج خاص من بين العديد من أعمال ستيفي وندر، الذي أصبح مستقلاً في هذه الأغنية، بعد تركه موتاون، وإنهاء عقده معها، حيث قام بعزف كل الآلات بنفسه حتى الطبول، ثم تم توزيعها لاحقاً. استخدم وندور العديد من التكنيكات المميزة والتعديلات على الآلات مثل صوت الواه المعدل بفلتر خاص على البيانو الخاص به، وكذلك الجيتار المساعد وغيرها، وهو ما حقق الصوت الراقص الذي تفتتح الأغنية به. في كلمات القصيدة الغنائية، يحرض وندر الناس على الاستمرار فيما يفعلونه، المعلمون في تعليمهم، الوعاظ في وعظهم، السياسيون في وعودهم الزائفة، الجنود في استنفارهم، والعالم في دورانه، فالأمر لن يطول، ثم يعبر عن سعادته لأن الإله سمح له بإعادة الكرة. – من الطريف أن وندر كتب هذه الأغنية قبل ثلاثة أشهر من تعرضه لحادث أليم تركه في غيبوبة –، فوجوده الأول على الأرض مليء بالخطايا، وهو سعيد لأنه الآن يعلم أكثر مما مضى، وسيتسمر في المحاولة حتى يصل إلى أعلى أرض، ولن يسمح لأحد بأن يجره للأسفل، فقد اختار طريقه، حيث الإله هو النصير الوحيد الذي ستجده حولك إن احتجت للعون. في مقابلة مع مجلة "كيو" قال وندر إنه كتب هذه الأغنية في ثلاث ساعات، حيث كتبها مسترشداً بالأخلاق المسيحية والتصوف الكوني على حد تعبيره، في توضيح للنفس الديني الذي غلب على عمله الموسيقي وبشكل نادر من بين أعماله الأخرى. ظهرت الأغنية في ألبوم "رؤى داخلية" عام 1973م، وحققت العديد من المراتب المتقدمة في العديد من القوائم، كان آخرها قائمة الرولينغ ستون الشهيرة التي حلت فيها بالمرتبة الحادية والستين بعد المائتين، كما أنه سجلت مراراً وأعيد توزيعها في نسخ كثيرة كان أبرزها نسخة فرقة رد هوت تشيلي بيبر في ألبومهم الرابع "حليب الأم".