منذ العصور القديمة تنوعت أساليب التجارة وتغيرت مرارً وتكراراً، حيث تشكل الأسواق لب التجارة، وهذا هو الحال منذ آلاف السنين، إذ تتمحور هذه المساحات حول جمع التجار والمستهلكين لبيع وشراء السلع والخدمات، وتطورت الأسواق من مساحات يلتقي فيها التجار حسب الموسم في العصور القديمة الى مواقع جغرافية دائمة، مثل سوق الخليلي في القاهرة، وسوق الحميدية في دمشق، ومراكز التسوق الحديثة مثل دبي مول في إمارة دبي، فلطالما كانت هذه الأسواق جوهر الرخاء الاقتصادي للمدن والدول التي كانت فيها. يقول خلدون طبازة مؤسس والعضو المنتدب لiMENA القابضة "أدخلت الإنترنت بعداً جديداً للأسواق مما سمح لشركات ناشئة ريادية أن تبني وتتملك أسواقاً عامة ومختصة تدور حول جمع البائعين والمشترين على منصة تقنية وتسويقية، وسمحت الإنترنت لهذه الشركات أن تتملك تلك الأسواق، بينما تطورت نماذج أعمال هذه الأسواق من استئجار مساحات الى فرض رسوم على جميع المبيعات التي تجري في هذه الأسواق الرقمية الجديدة، بالإضافة إلى تقديم خدمات ذات قيمة مضافة للتجار والمستخدمين، والأهم من ذلك أنه بينما كانت الأسواق التقليدية مساحات حصرية لأصحاب رأس المال والعقارات، بنيت أسواق الانترنت من قبل رجال أعمال أذكياء استطاعوا اكتشاف الفرص واستغلالها بطرق عنيفة وكفؤة، وعلاوة على ذلك تمثل تكلفة بناء سوق على الإنترنت اليوم جزءًا صغيراً من تكلفة بناء سوق تقليدي، بينما إمكانية وقابلية هذه الأسواق الجديدة لا حصر لها مقارنة بالأنماط التقليدية". خلدون طبازة وتشمل الأسواق العامة على الانترنت شركتي Amazon.com وeBay المشهورتين، حيث نمت هذه الأسواق الإلكترونية العامة بمرور الوقت لتشمل جميع أنواع السلع والخدمات، وتبلورت أوائل الأسواق على الإنترنت كامتداد لفئات معينة في الأسواق التقليدية مثل الأزياء والإلكترونيات والكتب، ويضيف طبازة "إن طبيعة الإنترنت كشبكة سلسة متوفرة في كل مكان سمحت بإيجاد فئات جديدة من الأسواق ومنها ما طور صناعات جديدة لم يكن لها أسواق من قبل مثل النقل، والرعاية الصحية، والخدمات المالية، ويسمح هذا الأمر للمستهلكين طلب الخدمات من شركات محلية واقليمية على حد سواء"، وقد أدى هذا الى إنشاء العديد من شركات قيمت بمليارات الدولارات، بما في ذلك أمثال Uber في قطاع النقل والتي تربط الركاب مع سيارات الأجرة، وMoneySuperMarket التي تسمح للمستخدمين مقارنة مختلف المنتجات والخدمات المالية (وشركات جديدة في خدمات السيارات وخدمات إصلاح المنازل في الآونة الأخيرة) وشرائها على الإنترنت. ومع زيادة عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي إلى أكثر من 135 مليون مستخدم وانتشار الهواتف الذكية لتصل إلى 84٪ في دول مثل المملكة، فإن وقت أسواق الإنترنت في العالم العربي قد حان، يضيف طبازة "خلال العامين الماضيين، برزت فئات أسواق ناضجة على الإنترنت في العالم العربي، منها شركات قيادية قامت بتشغيل هذه الأسواق بكفاءة مما جعلها تنمو بمعدل قياسي في حين تطلبت هذه الأسواق جزءاً صغيراً من الاستثمارات اللازمة لبناء الأسواق التقليدية". وفي مجال السيارات تم استبدال سوق تجار السيارات التقليديين بشركات ناشئة سمحت للمستخدمين بيع سياراتهم خلال فترات زمنية قياسية ومن دون الصعوبات التقليدية، وتضم هذه الشركات SellAnyCar.com التي نشأت في الإمارات وتوسعت إلى المملكة وتركيا، بالإضافة الى قسم السيارات على الموقع الإعلانات المبوبة OpenSooq.com الذي يوفر أكثر سيارات للبيع وطلبات لشراء السيارات من أي مكان آخر، كل هذا لقاء جزء صغير من تكلفة الأسواق التقليدية للسيارات ومع كفاءة ويسر غير مسبوقين. أما في قطاع النقل، تسمح أمثال شركة EasyTaxi بطلب سيارات أجرة بإستخدام الهواتف الذكية من خلال تطبيق يطابق المستخدمين مع سائقي سيارات الأجرة المتواجدين في أماكن قريبة، يقول طبازة "هذه الخدمة متوفرة في المملكة والأردن والكويت وقطر والبحرين حاليا، ولا توفر وقت سائقي سيارات الأجرة وتزيد من كفاءتهم فقط، بل وتؤمن السلامة والراحة خاصة للفئات الركاب مثل النساء والمراهقين وتخفض من التلوث واستهلاك الطاقة". وهناك أسواق جديدة ومبتكرة لم تكن موجودة من قبل وهي متاحة الآن في العالم العربي، وتضم هذه شركة ReserveOut.com التي تعمل بمثابة سوق لحجوزات المطاعم، مما يسمح للمستخدمين اكتشاف الجديد منها، والحصول على تأكيدات فورية ومجانية من راحة من مكاتبهم أو على هواتفهم الذكية، أما Hellofood (خدمة طلب الطعام عبر الإنترنت) فهي على الأرجح أكبر قاعة طعام الكترونية في المملكة والأردن وقطر ولبنان، وتسمح للمستخدمين طلب الطعام من المطاعم المفضلة لديهم وتوصيل الوجبات لهم، مما يجعل النماذج القديمة مثل طلب الطعام باستخدام الكتالوجات أوالهاتف الثابت بالية. وقد تم بالفعل تطوير عناصر التقنية وتجربة المستخدمين في أسواق الانترنت اليوم لتصبح سلعة، مما جعل التسويق والتنفيذ الجوانب الرئيسية لنجاح أسواق التجارة الإلكترونية، فالميزة التي تحظاها الشركة الأولى في قطاع معين هي مفتاح نجاح الأسواق الرائدة، فيكون لدى هذه الشركات الفرصة لتصبح أكبر مقدم للخدمات في هذه الأسواق وتحوز على معظم المستخدمين، فتحصل على أكبر نجاح مع مرور الوقت، وبينما تسمح الأسواق التقليدية للمنافسين فرصة بناء أسواق منافسة في مواقع جغرافية جديدة، فإن طبيعة الإنترنت التي تسمح بعبور الحدود الجغرافية تعني أنه من الصعب منافسة الأسواق الإلكترونية الرائدة، ففي كثير من الحالات لا يكون هناك سوى حفنة من الفائزين في كل فئة. ويضيف طبازة "حتى الآن، الشركات الناشئة التي بناها مؤسسون أذكياء وبدعم من مستثمرين استراتيجيين فازوا بفئات السوق واحدة تلو الأخرى في العالم العربي، في حين فهم القليل من لاعبي الأسواق التقليدية أهمية التحولات الكبرى التي تجري في السوق وتطور أذواق وسلوكيات المستهلكين من الألفية الجديدة، لذا ينبغي على أصحاب المصالح التحرك بسرعة للاستفادة من أي فرص متبقية من خلال علاقاتهم القائمة أو توفر رأس المال، والشراكة مع قادة سوق الإنترنت في المنطقة قبل فوات الأوان".