ثماني دقائق فقط، بعدها اضطرت المغنية الأمريكية ريانا لمسح تغريدتها عن غزة في الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة. هكذا تقدم هوليوود نفسها كصناعة لا تؤمن بالرأي والرأي الآخر. أحداث غزة الأخيرة، لا تفعل في تقرير النتيجة السابقة، سوى تذكيرنا بتاريخ هوليوود في التعامل مع المعارضين لدستورها المتفق عليه بين العاملين فيها، وعلى رأس وصايا ذلك الدستور تتربع إسرائيل واليهود، إضافة إلى محظورات جانبية فيما يتعلق بالتاريخ الأسود للعبودية، وتهجير المواطنين الأصليين، والجيش الأمريكي. قبل أيام شهدت الصحافة الغربية جدالاً واسعاً بسبب الخطاب المفتوح الذي وقعه عشرات من الفنانين الإسبان ومنهم خافيير بارديم وبينولوبي كروز، عن اعتراضهم على الاعتداءات الإسرائيلية في غزة وضحاياها من المدنيين. ورغم لهجة البيان التي تبدو مقبولة في اعتراضها من حيث المبدأ الإنساني، لكن اللوبي اليهودي وعلى رأسه شخصيات نافذة الحضور في فضاء هوليوود، جعلوا من هذا الاعتراض عريضة واضحة تدفع للاستبعاد من هوليوود، وربما تفتح لنا عبارة جون فويت باباً لفهم قسوة الهجوم الذي يمكن أن تمارسه هوليوود ضد أي معترض على سياستها. ليس ممكناً في مقال واحد استعراض النبذ الذي تمارسه هوليوود على معارضيها، لكن يمكننا التعريض على عجالة على بعض مظاهر ذلك النبذ الذي مورس ضد الممثلين والمنتمين إلى عالم هوليوود والإعلام الأمريكي عموماً. في كتابه المميز "الفنان في زمن الحرب" الذي ترجم إلى العربية على يد المترجم القدير حمد العيسى شفاه الله، ولكن تحت عنوان آخر "قصص لا ترويها هوليوود مطلقاً"، يستعرض المورخ والناقد الناقم هوارد زن في فصلين مختلفين، يحملان العنوانين السابقين، جنسين من الأعمال الإنسانية في أمريكا يجسدان تفاعلاً مختلفاً من التعامل مع الحرب والاعتداءات العسكرية، الأدب ممثلاً في الشعر بنماذج لأسماء شعراء مثل لانغستون هيوز، ودانييل بيرغان، والرواية مثل جوزيف هيلر في "كاتش 22"، ودالتون ترامبو في "جوني حصل على مسدسه"، والفن في الموسيقى كأعمال بوب ديلان رغم التحفظ الشديد على اعتباره نموذجاً مناهضاً للحرب بسبب تصريحاته الأخرى التي تدعم إسرائيل بطريقة عمياء تجعل أمثولاته عن الحرية لها برغماتيتها النفعية الخاصة، وكذلك أغنيته الشهيرة "الجار المتنمر" التي أنتجها الموسيقي الفذ "مارك نوفلر" الذي كتب هو الآخر وغنى أغنية عن الحرب اسمها "أخوة السلاح"، لكن الأمر في هوليوود يختلف وإن كانت الموسيقى تتزلف لها، لأن جوهرة هوليوود الحقيقية هي السينما، حيث يسيطر اليهود وبالتحديد الصهاينة على مصادر الدعم التي تحتاجها هوليوود لذا فإن مخاطبة ودهم تبدو مسألة ضرورية، أو لنقل على الأقل الحذر من إثارة سخطهم. نجوم خالفوا دستور هوليوود فكان النبذ مصيرهم في عام 2004م أخرج الأسترالي ميل غيبسون فيلم "آلام السيد المسيح"، الفيلم أثار حنق كثيرين في هوليوود، وظهر اليهود كما في الرواية المشهورة للنصارى عن صلب المسيح، فجأة فتحت أبواب الجحيم على غيبسون، وكشفت ملفات مستورة وصار غيبسون المعادي للسامية من خلال تصريحات وتسجيلات، وفجأة عنيفاً في علاقات لا تعرف صحتها من كذبها. المثير في موضوع غيبسون أن الأمر تعداه ووصل إلى إقصاء بطل الفيلم جيمس كافيزل، الذي تنبأ له الكثير بأنه أحد أهم الممثلين الشباب في هوليوود. وفي منتصف يونيو الماضي صرح الممثل الشهير غاري أولدمن بسيطرة اليهود على هوليوود، ورغم اعتذاره فيما بعد، لكن الكثير من النافذين في هوليوود ما زالوا حتى اللحظة يعتقدون أن اعتذاره ليس كافياً. السيناريو نفسه حدث في عام 1996م، عندما صرح الراحل مارلون براندو بأن اليهود يسيطرون على هوليوود بل يملكونها، أمام اليهودي البارز "لاري كينغ" في برنامجه الشهير، ليتم اتهامه فيما بعد بالعنصرية ومعاداة السامية. مارلون براندو كانت له حادثة أشهر في السبعينات عندما رفض حضور حفل الأكاديمية الأمريكية لاستلام أوسكار أفضل ممثل عن دوره في الفيلم العظيم "العراب"، وإرساله ممثلة تدعى ماريا كروز في دور إمرأة تنتمي لسكان أمريكا الأصليين. المخرج الكبير أوليفر ستون صرح هو الآخر في مقابلة له عند عرض سلسلته التلفزيونية الوثائقية "تاريخ أمريكا السري" بأن اليهود يسيطرون على مفاصل هوليوود الإدارية، ستون اعتذر مراراً رغم عدم قبول رابطة مكافحة التشهير باعتذاراته واعتبارها طريقاً تؤسس للنمطية التي يرفضها الغرب عن اليهود، وهو نفس الأمر الذي قاله جون فويت عن بارديم وكروز، لكن الأمر لم يتوقف عند عدم قبول الاعتذار إذ تقدم رجل الأعمال والإعلام اليهودي الشهير حاييم سابان، بطلب لشبكة سي بي إس بعدم عرض المسلسل على الشوتايم التي تملكها الشبكة. ربما يكون الاستشهاد بالمكارثية في هذا المقال مخاتلاً لكنه يعطي لمحة يمكن من خلالها إدراك الحال الذي تعيشه هوليوود، التي تبكي على الأمريكي الذي يهدي لطفل عراقي وردة، يجاوبها الطفل العراقي المحتقن شراً بحزام ناسف، إنها "خزانة الألم -Hurt Locker" المعكوسة، التي تروج جواز "الضرر الجانبي - Collateral Damage"، من خلال "أكاذيب حقيقية - True Lies". جون فويت يشن هجوماً عنيفاً على منتقدي إسرائيل الممثل الحائز على الأوسكار جون فويت -ووالد النجمة أنجلينا جولي- يعتبر من أشهر المدافعين عن إسرائيل في أمريكا وسبق له أن انتقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما على مواقفه التي يعتقد أنها سلبية تجاه إسرائيل. أما في أحداث غزة الأخيرة فقد شن هجوماً عنيفاً على زملائه الذين انتقدوا العدوان الإسرائيلي وعلى رأسهم بينولوب كروز وزوجها خافيير بارديم حيث اتهمهما بمعاداة السامية ورفض أي اعتذار منهما وقال إنهما تنكرا لفضل أمريكا عليهما «لأنهما جمعا ثروتهما بفضل السينما الأمريكية ولن يحققا نفس النجاح لو كانا يعيشان في إيران أو لبنان». مارلون براندو كتاب يستعرض أهم «التابوهات» في هوليود