ولد سامي الدروبي في شهر أبريل عام 1921 في أسرة ناجحة تضم الدكاترة والأساتذة والمهندسين، سامي الحمصي المنشأ ومصري الفلسفة حيث درسها في القاهرة ثم عاد ليدرّسها في سوريا قبل أن يوفد إلى باريس لتحضير الدكتوراه والتي جعلت منه الأستاذ السوري الأول في الفلسفة والمنطق وعلم النفس، إضافة إلى توليه مناصب وزارية ودبلوماسية في فترات متقطعة، فعمل أستاذاً في الجامعة ثم وزيراً للمعارف ثم سفيراً في المغرب ويوغوسلافيا وإسبانيا ومندوباً لسوريا في جامعة الدول العربية، ثم طلب العودة بسبب تدهور حالته الصحية فظل سفيراً في وزارة الخارجية يترجم الأعمال ويزيد من غلته الأدبية رغم ظروفه الصحية القاسية. لاشك أن الدبلوماسي سامي الدروبي هو من أفضل الذين ترجموا الأدب الروسي إلى اللغة العربية، حيث قدم ترجمة كاملة لأعمال دوستويفسكي، والتي يفوق عدد صفحاتها على أحد عشر ألف صفحة!، كما أنه قام بترجمة خمسة مجلدات من المؤلفات الكاملة لتولستوي والتي لا تقل عن خمسة آلاف صفحة، كل أعمال الترجمة تلك قام بها في سنوات مرضه والتي امتدت من العام 1969 وحتى عام 1976 ، واللافت للانتباه أن هذا المترجم قد قدم في مسيرة حياته القصيرة نسبياً - لم تتجاوز الخامسة والخمسين - أعمال الترجمة الضخمة لدوستويفسكي ولتولستوي إضافة إلى عشرات الروايات الروسية التي فتحت أعينها في العالم المشرقي، والواضح هنا أن هذا الإنجاز الضخم في تلك الفترة القصيرة كان لمحاربة مرض القلب الذي ألمّ به وإلا فإن تلك الأعمال تحتاج إلى عمر بأكمله لترجمتها، ناهيك عن الانشغال بالحياة الأكاديمية والدبلوماسية. من الملحوظ أن الأديب السوري كان مولعاً بالأديب الروسي دوستويفسكي، حيث كشفت مقالاته سر هذا الولع فيقول في إحدى مقالاته : " دوستويفسكي من الأدباء الذين لهم نظرة فلسفية، أو الذين كانوا أدباء وفلاسفة في آن واحد.. بدأت بقراءة مؤلفاته بالفرنسية وأنا في السادسة عشرة من عمري، فما انقضت بضع سنين حتى أتيت على آثاره كلها، أعيد قراءتها بلا كلل أو ملل، حتى لقد أخذت أترجم بعض فصوله منذ ذلك الحين.. استهواني ووجدت فيه نفسي، وما أظن أنني أخطأت التقدير منذ ذلك السن، ولا شك أن دوستويفسكي يمتاز بأنه معاصر دائماً "، وفي مقالة أخرى له حملت عنوان " البعد النفسي في أعمال دوستويفسكي " يكشف سرا آخرا، فيقول : " العالم الذي يعيش فيه دوستويفسكي، من حيث هو فنان، عالم أفراد من البشر يدرك دخائلهم ويعايشهم حياتهم، وينفذ إلى سرائرهم ثم يصورهم كما رآهم في حقيقتهم الفردية هذه.. وهو يلاحق هؤلاء الأفراد في اضطرابهم بين جنبات الحياة.. يرى كيف يتصرفون وماذا يعانون وبماذا يحسون، وذلك كله من خلال الرواية التي يخلقها !"، الغريب في حالة الدروبي حينما قدم لنا ترجمة الأدب الروسي أنه قام بترجمتها عبر لغة أخرى وهي الفرنسية، أي رغم أنه لا يعرف الروسية إطلاقاً إلا أن ما قدمه لا يقل جودة عن النص الروسي الأصلي، لذلك كانت له آراء جديرة بالدراسة حول الترجمة الناجحة، التي يصفها بأنها لغة الفن والثراء عندما تكون في الأدب، ولغة الفقر في بقية العلوم، إذ إنه لابد من توفر الذوق الأدبي لدى المترجم، حيث إنه لا يقوم بنقل لغة إلى لغة أخرى.. بل تعني له مفردة الترجمة التأمل في الذات والوجود، لتنتج لنا كلمات لها أجنحة تطير في أعماقنا، تحرك مشاعرنا وأحاسيسنا؛ ليعود رجعها علينا بالأثر الأدبي الحقيقي العميق.