بماذا يمكن لنا أن نصف ما يجري على طرقاتنا من حفلات الموت المجاني؟ هذا سؤال يفرض نفسه بقوة كل يوم، ونحن نشاهد في كل ساعة عشرات الضحايا من أبنائنا، وهم يموتون على الطرقات في حوادث لا مبرر لها ابداً، وكأن قدر هؤلاء الشباب الموت مجاناً على طرقات وأرصفة الوطن، في حوادث مرورية مروعة ومدهشة، لا مسبب لها الا الاهمال، وغياب الوعي والمسؤولية. فقد باتت حوادث السير الخطير تحصد أزهار شبابنا مع الاسف، ولا سيما في السنوات الاخيرة شبحاً يلاحق السعوديين على اختلاف اعمارهم، حتى إنه ليندر ان يمر يوم واحد لا تطالعنا به الصحف المحلية، ونشرات الاخبار بأخبار هذه الحوادث، التي باتت وكأنها جزءً من حياتنا. ففي احصائية سوداء تظهر الارقام عن عدد الحوادث أن نحو ثلاث مئة الف حادث تحدث في المملكة سنوياً، وأن ثلاثين في المئة من أسرّة المستشفيات يشغلها ضحايا حوادث المرور، كما تشير بعض الاحصائيات الى إن معدل الوفيات في حوادث الطرق يبلغ 17 شخصاً يوميا، أي شخص كل 40 دقيقة، كما بلغ عدد المصابين أكثر من 68 ألفا سنويًّا، وزادت الخسائر المادية على 13 مليار ريال في السنة وهي ارقام كبيرة تدعو الى القلق والتساؤل والتشاؤم. اذ كيف يمكن ان نغمض أعيننا عن تلك الحوادث التي باتت تخطف ارواح الشباب بلا هوادة والكبار والصغار في مجتمع يتسم بالفتوة ونسبة الشباب العالية فيه. والحقيقة التي يجب التوقف عندها، هي ان معظم إن لم نقل كل هذه الحوادث، كان من الممكن تلافيها، لو كانت هناك خطط استراتيجية مدروسة، لأنظمة السير والمرور وآلة ردع حاسمة، والطرقات العامة، بالاضافة الى برامج توعية حقيقية للعامة سواء في المسجد أو المدرسة أو البيت، بحيث يتم ارشاد الناس الى الوسائل الفضلى في التعامل مع الطريق بشكل حضاري ومفيد ونافع، لا سيما ان الطرقات العامة تعتبر من البنى التحتية المهمة والاساسية في رقي وتطور اي مجتمع ناهض، كالمجتمع السعودي، ولذلك فإن من المهم جداً توصيف الخلل الذي أدى ويؤدي الى هذه المآسي غير المبررة، والتي لا تحتاج الى كبير عناء للتخلص منها، فكما هو معروف ان استخدام الطرق العامة، يشكل جزءًا من ثقافة ووعي الناس وإداركهم بالأهمية، وأنه كلما ازداد هذا الوعي وتنامت هذه الثقافة، كلما وفرنا على انفسنا المزيد من الارواح التي تذهب هدراً وسدى على طرقاتنا كل عام ومن دون اي مبرر. ولكن من المسؤول المباشر عن هذه المصائب التي نراها بأم اعيننا؟ وهل يمكن حصرها في جهة محددة او أشخاص بعينهم؟ بالتأكيد ان الاجابة عن هذه الاسئلة تحتاج للكثير الدراسات ومن الشرح والموضوعية، لأن المسؤولية هنا، لا تقع على جهة واحدة او شخص بعينه، وإنما تطال الكثير من المفاصل في المجتمع، بدءاً من الأسرة وتوجيه الطفل الأولي إلى ضرورة الحفاظ على السلامة العامة، وتوخي الانضباط في استعمال الطريق، مروراً بالمدرسة التي تدعم البناء الاخلاقي التربوي للطفل، وتنشر الوعي بين الناشئة، في اطار البرامج التعليمية والتربوية، التي تهدف الى صقل شخصية الفرد، ومساعدته لكي يكون عنصراً مفيداً ومؤثراً في المجتمع، وصولا الى الجهات المعنية مباشرة بوضع القوانين والأنظمة النافذة الصارمة لردع المخالفين، الذين يستمرئون الخطأ، ويتعمدوا الولوج في المخالفات عن عمد، مستهترين بأرواحهم وأرواح الآخرين بدون أدنى مسؤولية. بيد ان هذا ليس كل الحقيقة، اذ إن هناك مسؤولين كثراً ايضاً، ومنهم هؤلاء المشرفون على اعداد وانشاء الطرق، التي يجب ان تراعي المعايير العالمية، ومعايير السلامة، اذ كيف يمكن لنا ان نتصور تلك الفوضى واللامبالاة في طريقة انشاء الطرق العامة، من دون ان ننتظر مشاهد الموت المجاني في كل يوم. ولعله مما يدعو للأسف ان المملكة العربية السعودية، ورغم امكاناتها المالية والاقتصادية الهائلة، تعد من أكثر دول العالم من حيث الخسائر البشرية بالأرواح، حيث تسجل، نحو سبعة آلاف ضحية لحوادث الطرق سنوياً، وحوالي عشرين حالة وفاة يومياً، كما تسجّل المملكة ألفي معوّق سنويًا جرّاء حوادث السّير والنّسبة الأكبر التي تستهدفها هي فئة الشّباب بين 15 و40 سنة. انها بالفعل أرقام مخيفة ومحزنة ومؤلمة جداً لمجتمع شاب وناهض، ان يدفع هذه النسبة من طاقته الشبابية ضحايا على طرقات الموت بالمجان. ولذلك فإن التنبيه لهذه المخاطر لم يعد مجرد ثرثرة عابرة، او أحلام وآمال وأحاديث واحصائيات حول الطقس، وانما قصص مؤلمة تقطع القلب، جارحة للبشر والوطن على السواء، وعليه من المهم التنبه لهذه المخاطر الجسيمة، التي باتت تشكل هاجساً حقيقياً، وتفرض على الجهات المعنية القيام بدورها اليوم قبل الغد، قبل ان تستفحل الامور أكثر، ونغرق في شباك الالم والندم والحسرة على شباب الوطن الذين يذهبون ضحايا بسبب الأهمال والتهور والطيش!